كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

على توثيق رجال سند في كتاب من كتب الرجال، أو منقولًا عن بعض أئمة الحديث، فغاية ما حصل بيده عدالة الراوي، فأين بقية القيود المعتبرة في الصحيح؟ وإن سلم أن الثقة لا يطلقونه إلا على من جمع بين العدالة وتمام الضبط كما أفدتم، فأين بقية القيود على الاتصال والسلامة من الشذوذ والعلة القادحة؟ فإن فرض أن في السند ما يدل على الاتصال، أو في كتب الرجال بقي الكلام في السلامة من الشذوذ والعلة وما قيل إن الشذوذ والعلة نادران فندورهما لا يصح معه الحكم بالصحة كما لا يخفى، لا سيما ومعرفة الشاذ (¬1) لا يكون إلا بحفظ تام، وكذلك معرفة العلة وأما الحكم بالصحة لمجرد
¬_________
(¬1) الشاذ هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز: ما روى الثقة مخالفًا لرواية الناس إلا أن يروي ما لا يروي غيره، قال الخليلي: والذي عليه حفاظ الحديث، أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره، فما كان من غير ثقة فمتروك، وما كان من ثقة توقف فيه، ولا يحتج به، وقال الحاكم: هو ما انفرد به ثقة، وليس له أصل بمتابع.
وما ذكراه مشكل بأفراد العدل الضابط كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح، فالصحيح التفصيل: فإن كان بتفرده مخالفًا أحفظ منه وأضبط، كان شاذًا مردودًا وإن لم يخالف الراوي، فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا بضبطه؛ كان تفرده صحيحًا، وإن لم يوثق بضبطه، ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنًا، وإن بعد؛ كان شاذًا منكرًا مردودًا، والحاصل أن الشاذ المردود: هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة، والضبط ما يجبر به تفرده.
تدريب الراوي في شرح تقريب النووي (1/ 204 - 205).
انظر: معرفة علوم الحديث (ص 119).
والشاذ أدق من المعلل بكثير؛ فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة، وكان في الذروة من الفهم الثاقب، ورسوخ القدم في الصناعة، ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف، ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في المستدرك - (2/ 493) - من طريق عبيد بن غنام النخعي عن علي بن حكيم عن شريك، عن عطاء بن السائب عن أبي الصخر عن ابن عباس قال: في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى، "وقال: صحيح الإسناد، ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له حتى رأيت البيهقي قال: إسناد صحيح، ولكنه شاذ بمرة.
ذكره السيوطي في تدريب الراوي (1/ 207).

الصفحة 1626