كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

خلدة فقيل له. أكان ثقة؟ فقال: كان صدوقًا، وكان مأمونًا، وكان خيرًا، وفي رواية وكان خيارًا، الثقة شعبة وسفيان، فانظر كيف وصف أبا خلدة بما يقتضي القبول، ثم ذكر أن هذا اللفظ يقال لمثل شعبة وسفيان، ونحوه ما حكاه المروزي قال: سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -: عبد الوهاب بن عطاء ثقة؟ فقال: تدري ما الثقة؟ إنما الثقة يحيى بن سعيد القطان، انتهى ما نقله العراقي. فتأمل كيف صرح هذان الإمامان الجليلان عبد الرحمن بن مهدي [16] وأحمد بن حنبل كيف جعلا الثقة اصطلاحًا لا يصدق إلا على من هو عندهما أرفع الناس رتبة في الدين والورع، وجودة الحفظ والمعرفة بالعلل، والإحاطة بجميع أنواع الحديث مع الإمامة المجمع عليها. ولعل عبد الرحمن بن مهدي (¬1) ذكر شعبة (¬2) وسفيان (¬3) لكونهما أعظم أئمة الحديث عنده. والأمر كذلك، فإن شعبة كان يقال إنه حفظ من مائتين، وكان يقال: إنه أمير المؤمنين في الحديث، وأما سفيان الثوري فهو الإمام الذي فاق من قبله، وأتعب من بعده واتفقت على إمامته كلمة الطوائف الإسلامية من أهل عصره ومن بعدهم، وهكذا أحمد بن حنبل؛ فإنه لما سئل عن الثقة أطلقه على يحيى بن سعيد القطان (¬4)، وهو إمام الجرح
¬_________
(¬1) هو الإمام الكبير والحافظ عبد الرحمن بن مهدي أبو سعيد العنبري مولاهم ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه.
من التاسعة مات سنة 198هـ.
تذكرة الحافظ (1/ 329) والتقريب "1/ 499).
(¬2) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وكان عابدًا، من السابعة مات سنة 160.
التقريب (1/ 351).
(¬3) سفيان بن سعيد بن مروت الثوري - أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عالم إمام حجة من رءوس الطبقة السابعة، مات سنة 161 هـ.
التقريب (1/ 311).
(¬4) يحيى بن سعيد القطان التيمي أبو سعيد البصري ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار الطبقة التاسعة مات سنة 198هـ.
التقريب (2/ 348).

الصفحة 1632