كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

والتعديل، وحافظ الحفاظ، وإمام الأئمة، فهذا اصطلاح بينه إمامان من أئمة الحديث وحفاظه، وأئمة الجرح والتعديل، فإن عبد الرحمن بن مهدي كان الفرد الذي لا يلحق به في زمنه أحد من أهله، وأما الإمام أحمد بن حنبل فهو الإمام الذي تتقاصر أقلام البلغاء عن التعبير بوصف يليق به، فإذا كان الثقة بشهادة هذين الإمامين الجليلين مع كون كل واحد منهما هو الرأس في زمنه، المرجوع إليه في جميع فنون الحديث لا يطلق إلا على مثل أولئك الأئمة الذين لو تفرق علم أحدهم وحفظه ومعرفته على ألف رجل لكانوا معدلين مقبولين، فكيف لا يكون الحكم من إمام من الأئمة المعتبرين بكون رجال الإسناد ثقات، وإسناده متصلًا كافيًا في كون ذلك الحديث صحيحًا، فإنه لا شك ولا ريب [17] أن الثقة بهذا الاصطلاح يكون حديثه أصح الصحيح لا صحيحًا فقط، وإنما أوردنا ما قاله هذان [الإمامان] (¬1) ليعلم المستفيد بمقدار هذه اللفظة، أعني ثقة عند أكابر الأئمة.
واعلم أنه لا بد أن يكون المخبر بكون رجال السند ثقات إمامًا من الأئمة المتبحرين في هذا الفن، المتمكنين من الإحاطة بما قيل في كل واحد من رجال الإسناد، القادرين على الترجيح عند تعارض التعديل والترجيح، العارفين بعلل الحديث على اختلاف أنواعها.
وهذه الأوصاف إنما يرزقها الله أفرادًا من عباده قد يوجد في كل طبقة منهم رجل، أو رجلان، أو ثلاثة، وقد لا يوجد في الطبقة أحد كما يعرف هذا من له إكباب على مطالعة تراجم أهل العصور المنقرضة، وأما من لم يرزق هذه الأوصاف فليس له أن يتقول بما لا يعلم، فيكذب على نفسه وعلى من يأخذ عنه، ويتلاعب بسنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصحح الباطل، ويبطل الصحيح، فإن هذا يدخل تحت الحديث (¬2) المتواتر: "من كذب
¬_________
(¬1) في المخطوط: الإمام والصواب ما أثبتناه.
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم: (108) ومسلم رقم: (2) من حديث أنس. وأخرجه البخاري في صحيحه رقم: (109) من حديث سلمة.
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم: (110) ومسلم رقم: (3) من حديث أبي هريرة.

الصفحة 1633