كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

علي متعمدًا؛ فليتبوأ مقعده من النار" وتحت حديث: "من روى عني حديثًا يظن أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين" وهو في الصحيح (¬1)، ويغنيه عن هذا أن يرجع إلى المؤلفات الموضوعة في تراجم الرجال، وفي ما نقل عن أئمة الجرح والتعديل المعتبرين، فإن لذلك مؤلفات معروفة قد صنفها جماعة من الحفاظ، ونقلوا عن الأئمة الكبار ... ما يستغني به الباحث عن الحديث، فإنهم ألفوا مؤلفات في رجال الصحيحين، ثم في رجال جميع [18] الأمهات الست، وفي رجال غيرها مما يلتحق بها من المسانيد وغيرها، فذكروا ما قيل في كل رجل منهم من جرح وتعديل، ورجحوا بحسب الإمكان، ثم تكلموا على نفس الأسانيد التي رويت بها الأحاديث في جميع هذه الكتب المتقدمة وغيرها، وأبانوا حال كل إسناد ورجاله وما فيه من شذوذ وعلة، وأبانوا حال كل متن وطرقه، واختلاف ألفاظه، وزيادته ممن له فهم ومعرفة، وكتب يمكنه البحث عن حال كل حديث، والوقوف على كلام الأئمة المعتبرين فيه أمكنه أن يعرف حال الحديث الذي يريد معرفته، وقد صنفوا هذا الفن على كل مسلك يظن فيه أنه أقرب إلى تناول من يتناوله، فتارة يصنفون على أبواب الفقه، وتارة يجمعون حديث كل صحابي حتى يفرغون منه، ثم يتبعونه بحديث صحابي آخر. وتارة يجمعون متون الأحاديث على ترتيب حروف المعجم، فالحمد لله الذي قرب مسافات الاجتهاد للمتأخرين بما لم يكن مثله للمتقدمين. فإن الإمام من الأئمة المتقدمين كان يرحل للحديث الواحد أو لتفسيره، وفي الأزمنة المتأخرة صارت السنة جميعها مجموعة في الدفاتر مع تفسيرها وما يستفاد منها، والكلام على رجالها، وقد يضم إلى ذلك اختلاف الأئمة في المسائل المستفادة من
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 9 - مقدمة) عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حدث عني بحديث، يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".

الصفحة 1634