كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

الحديث، وذكر الراجح والمرجوح، كما يقع في كثير من شروح الحديث المبسوطة، فإن المطلع على شيء منها يستفيد جميع هذه الفوائد المذكورة بالوقوف على الحديث وشرحه في مصنف من المصنفات، حتى لا يحتاج بعده إلى غيره [19] وهذا معلوم لكل من له علم لا من لا علم له، فإنه لا يدري بشيء من هذا، وهو الجاني على نفسه بما أحرمها من العلم، كما تجده في غالب طلبة العلم في هذه الأزمنة. وما أشار إليه السائل - كثر الله فوائده - من أن العلامة الأخير محمد بن إسماعيل الأمير ذكر في مؤلفه المسمى بورقات (¬1) النظر إن التوثيق ليس عبارة عن التعديل، بل الموثق هو الصادق الذي لا يكذب، وإن كان غير عدل وإن العدالة في اصطلاحهم أخص من التوثيق، فأقول قد علم مما سبق من اصطلاح أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل أن الثقة لا يطلق إلا على مثل أولئك الأئمة، وعلم أيضًا من اصطلاح من بعدهم ما يخالف ما ذكره السيد - رحمه الله - وهذا ابن حجر وهو من حفاظ القرن التاسع يقول: إن الثقة هو العدل الضابط كما تقدم نقل ذلك عنه، ولا يصح أن يقال: إن السيد محمد أراد بيان المعنى اللغوي للثقة، لأنه قال في اصطلاحهم أي اصطلاح أهل الحديث: ولو كان ذلك بيانًا للمعنى اللغوي؛ لكان غير صحيح، فإن الثقة في اللغة (¬2) المؤتمن، والعدل (¬3) هو المستقيم في أموره المتوسط فيها، وهما مختلفان صدقًا ومفهومًا.
وأما في الاصطلاح فقد عرفت معنى الثقة (¬4). وأما العدل فهو اصطلاحا من حصلت له العدالة (¬5)، وهي ملكة في النفس يمنعها عن اقتراف الكبائر والرذائل، فالثقة أخص؛ لأن العدل مع زيادة الضبط، أو مع زيادة أنه إمام مقتدى به، متفرد في العلم والعمل.
¬_________
(¬1) أي كتابه " ثمرات النظر في علم الأثر" (116 - 117).
(¬2) لسان العرب (15/ 212).
(¬3) انظر لسان العرب (9/ 86).
(¬4) تقدم وانظر النخبة (ص55).
(¬5) تقدم وانظر النخبة (ص55 - 56).

الصفحة 1635