كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

التصريح بعد هذا فهو باقٍ على التجويز.
وذلك مناف لاعتبار السلامة في الحد. لا يقال أنه يجوز وجدان حافظ آخر لعلة لهذا الحديث، فلا يكون صحيحًا، لأنا نقول: فتح باب هذا التجويز يغلق باب التصحيح بالمرة. وإنما الواجب أن يبحث الحافظ فيصرح بأني لا أعلم له علة، وليس بشاذ، أو يصرح بالصحة، لأن تصريحه بصحة الحديث في قوة الإخبار بخمس جمل، وهو عدالة الناقلين، وتمام ضبطهم، واتصال سندهم، والسلامة من الشذوذ [2] والعلة.
ثم أيد ما كنت أفهمه من أن العلة والشذوذ وإن كانا نادرين؛ فلا يصح الحكم بالصحة، هذا ما قاله إمام الفن ابن حجر (¬1) أنه لا يلزم من كون رجال الحديث ثقات أن يكون صحيحًا.
والحاصل أن من وقف على توثيق بعض الحفاظ لرواة حديث. فقال: الحديث صحيح، فإما أن ينسب تصحيح إلى ثقة أو إلى ذلك الحافظ الذي نص على ثقة رواته.
إن نسبته إلى الحافظ، فقد نقول عليه ما لم يقله، وحمله ما لم يتحمله، فإنه إنما أخبر بعدالة الرواة وضبطهم لا غير. فيتحمل شذوذ الحديث أو وجود علة له. ويحتمل أن ذلك الحافظ قد بحث فلم يجده شاذًا ولا علة له، ويحتمل أنه لم يبحث. وإما أن ينسب تصحيحه إلى نفسه، فإن كان مع أهليته وقوة معرفته قد بحث حتى كان الحديث لديه تصحيحه إلى نفسه، فإن كان مع أهليته وقوة معرفته قد بحث حتى كان الحديث لديه سالمًا من العلة والشذوذ؛ فلا مانع له من التصحيح، وإن كان لم يقف إلا على مجرد توثيق الحافظ للرواة كما هي مسألة السؤال لم يجز له التصحيح، لأن من أجاز التصحيح (¬2) اشترط أهلية المصحح بأن يكون متمكنًا قوي المعرفة، وهذا الاشتراط إنما هو ليتمكن من معرفة علة الحديث، وسلامته من الشذوذ، وإلا فلا فائدة لهذا الاشتراط أصلًا، بل كل من وقف على توثيق رجال سند صحيح الحديث، سواء كان متمكنًا قوي المعرفة أولًا. وهذا شيء لم يقله أحد من أهل العلم إن شاء الله تعالى. فهذا الأمر الذي كان
¬_________
(¬1) تقدم قريبًا.
(¬2) انظر: منهج النقد في علوم الحديث (280).

الصفحة 1650