كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

يتصور لي في جواب هذا الإشكال.
الأمر الثاني: أن الحد المذكور ليس مجمعًا عليه من أهل العلم، وهذا أشرت إليه في السؤال بقولي: وقد يقال إن السلامة من الشذوذ والعلة ليس مجمعًا عليهما، فلا يرد الإيراد إلا على من اعتبر القيود جميعًا، أما من لم يعتبر إلا البعض كالعدالة والضبط فلا يرد، فيصح على قوله التصحيح لمجرد كون رجاله ثقات، وهذا صحيح لو كان من يعتمد التصحيح لهذه الطريقة مخالفًا في هذه الشروط المعبرة في الصحيح انتهى. وأنا إلى الآن لم أجد أحدًا من أهل الاصطلاح خالف في اشتراط الضبط والسلامة من الشذوذ والعلة. أما الضبط فإن الخطابي (¬1) وإن لم يشترطه فيما نقله [3] عن أهل الحديث. فقد رد عليه المحققون بأن لا بد من اشترط عندهم، بل وعند الأصوليين أيضًا. وتأول آخرون كلامه بدخول الضبط تحت عبارته، وقال بعضهم فيما وقفت عليه الآن: أن السلامة من الشذوذ داخلة تحت الضبط؛ لأن مخالفة الثقات منافية للضبط. قلت: وعلى هذا فيدخل تحت الضبط السلامة من العلل القادحة، لأن وجدانها في الحديث مناف لضبط راويه، ولكن في هذا كله نوع تكلف كما لا يخفى. وأما السلامة من الشذوذ والعلة فهما وإن لم يذكرا في الصحيح عند بعض المحدثين فذكر المعلل (¬2) والشاذ (¬3) من جملة الأقسام المنافية للصحيح مشعر بأنه يعتبر سلامته عنهما، لا سيما والعلل مقيدة بالقادحة.
وقد ذكر ابن دقيق العيد أن السلامة من الشذوذ والعلة زادها المحدثون في الحد، وهذه رواية عنهم مقبولة، وأيدها قول الزين في الألفية (¬4)، وأهل هذا الشأن قسموا السنن إلى صحيح، وسقيم، وحسن، ثم حد الصحيح بما نقله في الجواب - كثر الله فوائده - فإن ظاهره أن هذا الحد هو المعتبر عند أهل الحديث قاطبة، أو عند المعتبرين منهم، بحيث لو كان أحد المشاهير منهم مخالفًا في اعتبار - أي هذه الشروط - لم يصح للزين نسبته هذا
¬_________
(¬1) انظر معالم السنن (1/ 11).
(¬2) تقدم توضيح ذلك.
(¬3) تقدم توضيح ذلك
(¬4) (ص 7).

الصفحة 1651