كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

فإن هذا الكلام المنقول عنه لا يؤخذ منه مذهب لقائل فيسند إليه، ولا يعرف منه الشروط التي اعتبرها بعض المحدثين فيكون اصطلاحًا يمشى عليه؛ حتى يجاب السائل أن هذا التصحيح على رأي فلان وفلان. فإنهم لا يعتبرون في التصحيح الاتصال ولا السلامة من الشذوذ والعلة القادحة: وأما فهمه لزين (¬1) الدين والسيد الوزير - رحمهما الله - (¬2) في كلام ابن الصلاح فهو مجمل، لكن الظاهر في عبارته ما ذكره مولاي - حفظه الله - وأما ما نقله زين الدين (¬3) عن ابن دقيق العيد (¬4) - رحمه الله - من قوله: ولو قيل في هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته: هو كذا وكذا؛ لكان حسنًا؛ لأن من لا يشترط مثل هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف، ومن شرط الحد أن يكون جامعًا انتهى. فقد كان يظهر لي فيه أن ابن دقيق العيد أراد المجمع عليه بين الفقهاء، وأهل الحديث، فإنه قال أولًا: إن السلامة من الشذوذ والعلة زادها أصحاب الحديث، وفيهما نظر على مقتضى نظر الفقهاء. وقال آخر: إذ لو قيل في هذا إلخ لمعناه حينئذ إن هذا الحد للمجمع عليه بين المحدثين والفقهاء.
أما المحدثون فلاشتراطهم السلامة من الأمرين، وأما الفقهاء فإنهم لا يشترطونها لكن الحديث السالم عن الشذوذ [5] والعلة صحيح عندهم بالطريق الأولى، وهكذا عبارة الزين (¬5) مشعرة بهذا. فإن عقب مناقشة ابن دقيق العيد (¬6) باصطلاح الفقهاء بقوله: قلت قد احترزت بقولي قادحة عن العلل التي لا تقدح في صحة الحديث، فظاهر هذا أنه إنما زاد قادحة في الحد لتخرج العلل التي تعلل بها المحدثون غير جارية على أصول الفقهاء، فصار الحد بهذه الزيادة جامعًا بين اصطلاح المحدثين والفقهاء فإن العلل القادحة وإن كانت مجهولة في الحد لا يتصور من الفقهاء أن لا يعتبروا عدها في صحة الحديث كما لا يخفى.
¬_________
(¬1) في ألفيته (ص 7 - 8).
(¬2) في التنقيح (ص 25 - 26).
(¬3) في ألفيته (ص 8).
(¬4) في الاقتراح (ص 187).
(¬5) في ألفيته (ص 8).
(¬6) في الاقتراح (ص 187).

الصفحة 1653