كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

[فيه] (¬1) على كل فرد فرد، قال في جمع الجوامع (¬2) في بحث العموم ما لفظه ومدلوله كلية أي محكوم فيه على كل فرد مطابقة إثباتًا أو سلبا لا كلي، ولم يحك الخلاف في ذلك عن أحد، فلا يخرج فرد من أفراد الصحابة عن ذلك إلا بدليل أو ظهور قادح، وكذلك الخطابات القرآنية نحو [14] كنتم خير أمة، وكذلك جعلناكم [أمة وسطًا] (¬3)، ونحوهما ظاهرة في تناول كل مخاطب إلا لمخرج، والمجهول الذي هو محل باقٍ غير مخرج. وهو المطلوب.
وأما المعارضة بنحو قوله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} (¬4)
¬_________
(¬1) زيادة من (ب).
(¬2) (2/ 167).
(¬3) زيادة من (ب).
(¬4) [البقرة: 187].
فوائد:
من هو الصحابي: قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" (1/ 7، 8) بتصرف، وأصح ما وقف عليه من ذلك أن الصحابي، من لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنًا به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ولذلك يدخل في التعريف:
كل مكلف من الجن والإنس.
وكل من لقيه مؤمنًا ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، ومات مسلمًا سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلام مرة أخرى أم لا، وهذا هو الصحيح المعتمد كالأشعث بن قيس، فإنه ارتد ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومات مسلمًا، فقد اتفق أهل الحديث على عده من الصحابة.
ويخرج من التعريف:
من لقيه كافرًا، ولو أسلم بعد ذلك، إذا لم يجتمع به مرة أخرى.
من لقيه مؤمنًا بغيره، كما لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة.
من لقيه مؤمنًا به، ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله.
ثم قال: "وهذا التعريف مبني علي الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما ".
العدالة: تطلق العدالة على معان كثيرة منها: التجنب عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها. وهذا المعنى هو مراد المحدثين من قولهم: الصحابة كلهم عدول.
فقد قال السخاوي في "فتح المغيث" (3/ 106): قال ابن الأنباري: ليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية إلا إن ثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ذلك ولله الحمد.
وقيل أن المقصود من عدالة الصحابة بالدرجة الأولى هو تنزههم عن الكذب، فهم عدول لا يكذبون ولم تعرف عنهم هذه الرذيلة، أما الصحابي فيمكن أن يصدر منه الذنب لأنه ليس معصومًا، إلا أن هذا الذنب لا يسقط عدالته لأن كل ابن آدم خطاء.
ومما تقدم نجد أن الجهالة أقسام ثلاثة:
(الأول): مجهول العين: وهو من لم يرو عنه إلا راو واحد وفيه أقوال:
1 - ): الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لا يقبل.
2 - ): أنه يقبل مطلقًا، وهو قول من لم يشترط في الراوي غير الإسلام.
3 - ): أنه كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل قبل مثل ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان ومالك ومن ذكر بذلك معهم وإلا لم يقبل.
4 - ): إن كان مشهورًا في غير العلم بالزهد والنجدة قبل، وإلا فلا.
5 - ): إن زكاه أحد أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد من قبل وإلا فلا، وهو اختيار أبي الحسن ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام).
6 - ): إن كان صحابيًا قبل، وهو مذهب الفقهاء.
انظر: "التنقيح" (ص 198).
(الثاني) مجهول الحال: في العدالة في الظاهر والباطن مع كونه معروف العين، وفيه أقوال:
1 - ): لا يقبل، حكاه ابن الصلاح وزين الدين عن الجماهير.
2 - ): يقبل مطلقًا وإن لم تقبل رواية مجهول العين.
3 - ): إن كان الراويان عنه لا يرويان إلا عن عدل قبل وإلا فلا.
"مقدمة ابن الصلاح" (ص 145)، "فتح المغيث" للعراقي (ص 160).
(الثالث) مجهول العدالة الباطنة وهو عدل في الظاهر، فهذا لا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين، وبه قطع الإمام سليم بن أيوب الرازي قال: لأن الأخبار مبنية على حسن الظن بالراوي.
ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن، وتفارق الشهادة، فإنها تكون عند الحكام، ولا ينظر عليهم ذلك فاعتبرت فيها العدالة في الباطن والظاهر.
وانظر: تفصيل ذلك: "فتح المغيث" (ص160) للزين العراقي.

الصفحة 1705