كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 5)

أقول- مستعينًا بالله، ومتكلًا عليه، حامدًا له مصليًا مسلمًا على رسوله وآله وصحبه-:
إن هذا المكتوب قد اشتمل على أسئلة سنجيب عن كل واحد منها- بمعونة الله- بعد تقديم مقدمة هي أنه لا خلاف بين من يعتد به من أهل العلم أن كون الشيء ناقضًا للوضوء، مبطلًا للطهارة، موجبًا للوضوء لا يعرف إلا بالشرع، ولا مدخل في ذلك لحكم العقل، ولا لمحض الرأي، فإذا جاء حكم الشرع بأن هذا الشيء يبطل حكم الطهارة، ويوجب إعادتها كان علينا قبول ذلك والإذعان له، وإن لم نعقل علة ذلك، ولا فهمنا وجهه كما في مس الذكر (¬1)، وأكل لحوم الإبل (¬2)، فإنه قد ثبت عن الشارع أنهما ناقضان للطهارة، مبطلان للوضوء، وليس لنا أن نقول: العلة في هذا معقولة أو غير معقولة، أو السبب في هذا مفهوم أو غير مفهوم، وهكذا ما شابه هذين الناقضين من النواقض التي يبعد فهم عللها، ويصعب تعقل أسبابها، بل نقول بعد ورود الشرع: هكذا جاءنا عن
¬_________
(¬1) للحديث الذي أخرجه أحمد (6/ 406 - 407) وأبو داود رقم (181) والترمذي رقم (82) والنسائي (1/ 100) وابن ماجه رقم
(479).
عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من مس ذكره فاليتوضأ». وهو حديث صحيح.
وانظر: «بيل الأطار» الحديث رقم (15/ 252) بتحقيقنا فهناك تفصيل وبيان موسع.
(¬2) للحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (97/ 360) وأحمد (5/ 102) وابن ماجه رقم (495) وابن الجارود رقم (25) والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 158) وفي معرفة «السنن والآثار» (1/ 402) والطحاوي في «شرح المعاني» (1/ 70) وابن خزيمة (1/ 21) وأبو عوانة (1/ 270 - 271) والطيالسي (ص104 رقم 766) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ» قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم، توضأ من لحوم الإبل» قال أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم"، قال: أصلي في مرابض الإبل؟ قال: «لا". وهو حديث صحيح.
انظر تفصيل وبيان ذلك موسعًا في «نيل الأوطار» رقم (19/ 56) - بتحقيقنا.

الصفحة 2595