كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

وفي حديث أم فضل بنت الحارث عند مسلم (¬1) أن آخرصلاة صلاها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناس في مرض موته المغرب، قرأ فيها بالمرسلات، وقد كان من شأنه تخفيف المغرب، فحالة المرض يقتضي زيادة التخفيف، وكانت الصلاة بالمرسلات تخفيف التخفيف من معلم الشرائع، والله تعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (¬2).
والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يقول: " صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬3) والآن صار الناس يتضررون من الصلاة بما ندب إليه الشارع معاذا (¬4) من التخفيف، وليس ذلك منهم عن علم، بل كأنهم جهلوا أن المفضل من قاف، وأن المرسلات من أوسطه، والشمس [1أ] من قصاره، فرغبوا عن ذلك، وصار الاختصار هو الغالب، والعلماء هم الذين أخذا الله عليهم الميثاق، والذي [ ... ] (¬5) أن ذلك ليس من التخفيف الشرعي، وإن كان فيه تخفيف في الصورة، ولكنه سرق للصلاة. ومع هذا فربما صلى الرجل ووقف
¬_________
(¬1) رقم (173) قلت وأخرجه البخاري رقم (763).
عن ابن عباس قال: إن أم الفضل بنت الحارس سمعته وهو يقرأ: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) فقالت: يابني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بها في المغرب.
(¬2) [الأحزاب: 21].
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (631) ومسلم رقم (24) من حديث مالك بن الحويرث.
(¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6106) ومسلم في صحيحه رقم (465) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كان معاذا يصلي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يأتي فيؤم قومه. فصلى ليلة مه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء، ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف. فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لاوالله، ولآتين رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلأخبرنه فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يارسول الله إن أصحاب نواضح، نعمل بالنهار وإن معاذ صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على معاذ فقال: "يا معاذ، أفتان أنت؟ اقرأ: والشمس وضحاها، والضحى والليل إذا يغشى،، سبح اسم ربك الأعلى".
(¬5) كلمة غير واضحة في المخطوط.

الصفحة 2756