كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

فاعلم أن بعض أهل العلم استدل على تقدير مسافة القصر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في أسفاره، وبعضهم استدل بقوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " لا يحل لامرأة بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم " أخرجه الجماعة إلا النسائي (¬1). وفي رواية للبخاري (¬2): " لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذو محرم ". وفي رواية للبخاري (¬3): لا تسافر المرأة بريدا ". ولا حجة في جميع ذلك. (¬4)
أما اقصره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في أسفاره فلعدم استلزام فعله لعدم الجواز فيما دون المسافة التي قصر فيها.
وأما حديث: نهى المرأة عن أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم، فغاية ما فيه إطلاق اسم السفر على مسيرة ثلاثة أيام، وهو غير مناف للقصر فيما دونها، وكذلك نهيها عن سفر اليوم والليلة والبريد، فالبريد لا ينافي جواز القصر في ثلاثة [ا أ] فراسخ، أو ثلاثة أميال، أو ميل. وأيضا هذا الحديث مسوق لبيان حكم آخر هو المقدار الذي يجب على المرأة أن تستصحب المحرم فيه، ويحرم عليها أن تسافر ذلك المقدار بدونه. ولا ملازمة بين هذا وبين مسافة القصر، لا عقلا، ولا شرعا، ولا عادة.
وأما استدلال من استدل بحديث ابن عباس عن الطبراني (¬5) أنه - صلى الله عليه وآله
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1088) ومسلم رقم (421) وأبو داود رقم (1724) والترمذي رقم (1170) وقال حديث حسن صحيح ومالك في الموطأ (2 رقم 37) من حديث أبي هريرة وقد تقدم.
(¬2) في صحيحه رقم (1087) ومسلم في صحيحه رقم (413) من حديث ابن عمر وقد تقدم.
(¬3) في السنن رقم (1725) وهو حديث شاذ.
(¬4) انظر " المحلى " (5 - 17). "المغني " (3 - 109).
(¬5) في الكبير (1 رقم 1162).
وأورده الهيثمي في " المجمع " (2) وقال الطبراني في الكبير من رواية ابن المجاهد عن أبيه وعطاء لم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
قلت: وأخرجه الدارقطني في السنن (1 رقم 1) والبيهقي في " السنن الكبرى " (3) وهو حديث ضعيف.

الصفحة 3124