كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

شعبة، عن يحيى بن سويد الهنائي قال: سالت أنسا عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين. والذي وقع منه الشك هو شعبة الراوي للحديث، والمتيقن من هذا الحديث هو ثلاثة فراسخ، لأن الحديث متردد بينها وبين ثلاثة أميال، والثلاثة الأميال مندرجة في الثلاثة الفراسخ، فتوجه بالأكثر احتياطا. وهذا الحديث أصح ما ورد في التقدير وأصرحه (¬1) وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر. أوجيب (¬2) عنه بأن يحيى بن يزيد الواوي عن أنس إنما سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضوع الذي يبتدأ القصر منه، فيكون هذا الحديث مقيدا لإطلاق اسم السفر في القرآن، ولسائر ما ورد من قصر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في المواطن التي سافر إليها.
ويؤيده أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى، وإلى مواطن خارجة عن المدينة، إما للإصلاح بين قوم أو نحو ذلك، ولم يقصر هو، ولا من خرج معه.
وقد وري سعيد بن منصور (¬3) عن أبي سعيد قال: كان رسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة، فان صح هذا كان مقدما على حديث أنس المتقدم، وتكون مسافة القصر فوسخا. ولا أدري الآن كيف إسناده لعدم وجود مسند
¬_________
(¬1) قاله الحافظ في " الفتح " (2).
(¬2) ذكره الحافظ في " الفتح " (2).
ثم قال بعد ذلك " ثم أن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها ". ورده القرطبي في " المفهم " (2): بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به.
(¬3) غير مطبوع فيما أعلم. وعزاه إليه ابن حجر في " التلخيص " (2).
قلت: أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (2، 442). عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سافر فرسخا قصر الصلاة.

الصفحة 3126