كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

سعيد بن منصور لدي.
وإذا تبين لك مقدار السفر الذي يقصر في مثله فاعلم أن هذا المسافر إذا حضرته الصلاة بعد خروجه من مدينته أو قريته قصر، ولو لم يكن بينه وبينها وإلا مقدار رمية حجر، لأنه قد صدق عليه اسم السفر الشرعي باعتبار قصره لتلك الغاية التي هي ثلاثة فراسخ فما فوقها. وهكذا لا يزال يقصر في [1ب] رجوعه إلى وطنه حتى يدخل مدينته أو قرية. ولا اعتبار بما قيل إنه لا يقصر حتى يخرج من ميل وطنه، ويتم إذا دخل ميل وطنه، فإن ذلك لم يدل عليه دليل صحيح.
فإن قلت: هلا اعتبرت مجرد الضرب (¬1) في الأرض المذكور في الآية مع صحة تسميته مسافرا لغة (¬2)، وذلك بأن يشد رحله، أو يحمل عصاه على عاتقه قاصدا للسفر، وحينئذ يفيد مطلق الضرب في الأرض بما تسمه العرب سفرا.
قلت: المسألة شرعية (¬3) لا لغو. وقد ورد الشرع بما قدمنا. يرد عن الشارع من وجه صحيح الصر فيما دون ذلك، فوجب التوقف على ذلك. ولو سلمنا أن المسألة لغوية. أن الاعتبار بما يصد عليه اسم المسافر لغة لم يكن في ذلك حجة لمن قال: أن من كان سفره مسافة ميل (¬4) أو الميلين، أو ثلاثة
¬_________
(¬1) قال ابن القيم في " زاد المعادن " ولم يحدد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض كما أطلق لهم التيمم في سفر وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم واليومين والثلاثة فلم يصح عنه شيء البتة والله اعلم ".
(¬2) تقدم في بداية الرسالة.
(¬3) تقدم في بداية الرسالة.
(¬4) قال النووي: الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة.
قال الحافظ في " الفتح " (2) وهذا الذي قاله هو الأشهر. . ثم إن الذراع الذي ذكره النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا.

الصفحة 3127