كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

واحتج القائلون بأن القصر رخصة بحجج:
الحجة الأولى: قوله تعالى: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) (¬1) قالوا: ورفع الجناح لا يدل على العزيمة، بل يدل على الرخصة. (¬2)
وأجيب بأن الآية وردت في قصر الصفة في صلاة الخوف، لا في قصر العدد، وهي أيضًا قد اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتجفيف، وقصر العدد بنقصان ركعتين. وقيد ذلك بأمرين: الضرب في الأرض، والخوف، فإذا وجد الأمران أبيح القصران، فيصلون صلاة الخوف بقصور عددها وأركانها، وإن انتفى الأمران وكانوا آ منين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة، وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده، فإن وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان، واستوفي العدد، وهذا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق في الآية، وإن وجد السفر والأمن قصر العدد، واستوفيت الأركان، وصليت صلاة أمن. وهذا أيضانوع قصر وليس بالقصر المطلق. وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد، وقد تسمى تامة [3أ] باعتبار إتمام أركانها، وأنها لم تدخل في الآية كذا قال المحقق ابن القيم (¬3) وما أحسن ما قال!.
والحجة الثانية لهم: ما أخرجه مسلم (¬4) وأهل السنن (¬5) غيرهم (¬6) من حديث يعلى ابن أمية قال: قلت لعمر ابن الخطاب: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقد أمن الناس! فقال عجبت مما
¬_________
(¬1) [النساء: 101].
(¬2) ذكره الحافظ في " الفتح " (1).
(¬3) في " زاد المعاد " (1/ 128).
(¬4) في صحيحه رقم (4/ 686).
(¬5) كأبي داود رقم (1199) والترمذي رقم (3037) والنسائي (3/ 116).
(¬6) كأحمد (1/ 25).

الصفحة 3137