كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

لم يكن فيها مستوطن؟ انتهى.
أقول: قد اختلفت أقوال السلف ومن بعدهم في قدر المدة المعتبرة للمسافر مع تردده، فذهب قوم إلى أنها شهر، وذهب آخرون إلى أنها عشون يوما، وذهب البعض إلى أنها ستة أشهر. وذهب البعض إلى أنها أربعة أشهر. وذهب قوم إلى أنها أربعة أيام، وليس لكل من هذه الأقوال متمسك ينبغي الكلام عليه حتى نسوقه ونسوق الجواب عليه، وأرجحها قول من اعتبر العشرين، ووجه ذلك أن المسافر إذا أقام ببلده وحط رحله، وذهب عنه وعثاء السفر فهو بالمقيم أشبه منه بالمسافر، ولولا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قصر الصلاة عند إقامته في مكة (¬1)، وعند إقامته في تبوك (¬2) لكان الأصل التمام، فينبغي أن يقتصر على المقدر الذي قصر فيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ويتم المسافر الصلاة إذا زاد عليه مع التردد لا القصر، فقال: ومن أين لنا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لو أقام في ذينك الموطنين زيادة على المقدار أتم، لأنا نقول: التمام مع الإقامة هو الأصل فلما قصر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - شرع لنا القصر مع الإقامة إلى ذلك المقدر، والأصل عدم جواز القصر بعد تلك المدة، ولم يدل دليل على جوازه بعدها فيجب الاقتصار على ما وقع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - من القصر في ذينك الموطنين، ويرجع فيما زاد إلى الأصل لعدم الدليل الدال على الجواز. وقد أخرج أحمد (¬3)، وأبو داود (¬4)، وابن حبان (¬5)،. .........................
¬_________
(¬1) أخرج البخاري في صحيحه رقم (1080) عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: أقام النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسعة عشر يوما يقصر وفي لفظ: بمكة تسعة عشر يوما.
(¬2) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(¬3) في " المسند " (3).
(¬4) في " السنن " (1235).
(¬5) في صحيحه رقم (2738).

الصفحة 3143