كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

عليه وآله وسلم -: " مروا بماء فيهم لديغ، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ فإن في الماء رجلا لديغا، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ".
وقد أخرج هذه القصة الشيخان (¬1)، وأهل السنن (¬2)، وأحمد (¬3) من حديث أبي سعيد بأطول من هذا. ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سوغ أخذ الأجرة على تلاوة القرآن؛ فدل على أنه يحصل للمتلو له بتلاوة التالي نفع، ويناله منها حظ، ولو كان أجرها للتالي فقط ما جوز له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أخذ الأجرة على التلاوة، لأنه يكون من أكل أموال الناس بالباطل، كيف، وقد جعل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - التلاوة أحق الأمور التي يؤخذ عليها الأجور، والأجر إنما يكون في مقابلة عمل انتفع به المؤجر كسائر الإجارات. ولا سبب يوجب مصير ثواب التلاوة إلى لمستأجر، ويثبت به انفصاله أو بعضه عن التالي إلا النية من التالي، ولا يصلح أن يكون غيرها عند من يعرف مسلك السير والتقسيم. وإذا كانت النية مؤثرة فلا فرق بين أن ينوي التالي أن نكون ثوابه لحي أو لميت بأجر أو بغير أجر، كما هو حق العمل بتنقيح المناط.
¬_________
(¬1) " البخاري رقم (2276) ومسلم في صحيحه رقم (2201).
(¬2) أبو داود رقم (3418) والترمذي رقم (2064) والنسائي " عمل اليوم والليلة " رقم (1028) في. وابن ماجه رقم (2506).
(¬3) في " المسند " (3). وهو حديث صحيح.
قال الحافظ في " الفتح " (4): واستدل الجمهور به في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم وأجازوه في الرقى كالدواء قالوا لأن تعليم القرآن عبادة والأجرة فيه على الله.

الصفحة 3166