كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

بها على ما ظننت من التعليم، بل زوجه بها لأجل المزية التي استحقها بحفظ ذلك المقدار من القرآن، إكراما له، ولم يجعل التعليم الصداق (¬1).
قلت: يكفي في رد هذا الزعم ما قدمناه من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " زوجتكها [3] تعلمها من القرآن "، وقوله: " عملها عشرين آية ".
¬_________
(¬1) قال الحافظ في الفتح (9/ 212): قال المازري: " هذا ينبني أن الباء للتعويض كقولك بعتك ثوبي بدينار وهذا هو الظاهر، وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكريمه لكونه حاملا للقرآن فصارت المرأة بمعنى الموهوبة والموهوبة خاصة بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ".
قال القرطبي: في " المفهم " (4): قوله " علمها " نص في الأمر بالتعليم والمساق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح. ولا يلتفت لقول من قال: إن ذلك كان إكراما للرجل بما حفظه من القرآن فإن الحديث يصرح بخلافه.
وقول المخالف: إن الباء بمعنى اللام ليس بصحيح لغة ولا مساقا وكذلك لا يعول على قول الطحاوي والأبهري إن ذلك كان مخصوصا بالنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما كان مخصوصا بجواز الهبة في النكاح لأمور منها:
1 - مساق الحديث وهو شاهد لنفي الخصوصية.
2 - قوله الرجل، زوجنيها ولم يقل هبها لي.
3 - قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذهب، فقد زوجتكها بما معك من القرآن، فعلمها.
4 - إن الأصل التمسك بنفي الخصوصية في الأحكام.
ثم قال: قال الجمهور على جواز كون الصداق منافع وهذا الحديث رد أبي حنيفة في منعه أخذ الأجر على تعليم القرآن ويرد عليه أيضًا قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " - وقد تقدم.
ثم قال: وقول الرجل: معي سورة كذا، وسورة كذا - عددها فقال: " اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن فعلمها " يدل: على أن القدر الذي انعقد به النكاح من التعليم معلوم، لأن قوله: " بما معك " معناه: بالذي معك وهي السور المعددة المحفوظة عنده، التي نص على أسمائها، قد تعينت المنفعة، وصح كونها صداقا وليس جهالة.
وانظر " فتح الباري " (9 - 213).

الصفحة 3169