كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

بالمفهوم، ولا تثبت به الحجة، فكيف إذا كان ذلك المفهوم العام قد دخله التخصيص بما هو مخصص له بالإجماع في البعض، وعلى الخلاف في بعض آخر، فإن طائفة من أئمة الأصول لا يرون العام بعد التخصص جحة، وهذه المباحث، ونشر الخلاف فيها، وبسط الكلام في أدلتها مستوفي في الأصول. وإنما أشرنا إلى هذا لأن مخالفة ما أطبق عليه السلف والخلف في كل عصر، وكل قطر من التقرب بالتلاوة إلى أرواح الموتى، حتى صار إجماعا فعليا يستحسنه جميع المسلمين (¬1)، ويرونه من أعظم القرب، لا ينبغي تأييد ذلك الإجماع بما أسلفناه في هذا البحث.
قال ابن النحوي في شرح المنهاج: إنه ينبغي الجزم بوصول ثواب القراءة المهداة إلى الأموات، لأنه دعاء، فإذا جاز للميت بما ليس للداعي فلان يجوز بما هو له أولى. ويبقى الأمر موقوفا على استجابة الدعاء، وهذا المعنى لا يختص بالقرآن، بل يجري في سائر الأعمال. قال: والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحي، القريب والبعيد، بوصية وغيرها (¬2). وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان [5] أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب. وأما سائر أنواع القرب فقد دلت على أكثرها
¬_________
(¬1) انظر التعليقة السابقة.
(¬2) ينتفع الميت من عمل غيره بأمور منها:
1 - دعاء المسلم له. إذا توافرت فيه شروط القبول لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]. وأما الأحاديث منها:
قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل ".
أخرجه مسلم رقم (88) وأبو داود رقم (1534) وأحمد (6452) عن أبي الدرداء.
2 - قضاء ولي الميت صوم النذر عنه. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من مات وعليه صيام، صام عنه وليه ". تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
وعن ابن عباس قال: " أن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - استفتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: اقضه عنها. وهو حديث صحيح.
3 - قضاء الدين من أي شخص ولي كان غيره. انظر أحاديثه في الرسالة (93).
4 - ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء لأن الولد من سعيهما وكسبهما والله عز وجل يقول (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم: 39].
وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه ".
5 - ما خلفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية، لقوله تبارك وتعالى: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) [يس: 12].
فيه أحاديث:
1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو لد صالح يدعو له ". تقدم تخريجه.
2 - وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: في حديث طويل وفيه: " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنة في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ثم تلى هذه الآية (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) [يس: 12].
أخرجه أحمد (4، 358) ومسلم رقم (1017) والترمذي رقم (2675) والنسائي (5 - 77) وابن ماجه رقم (203).

الصفحة 3176