كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

وأيضا ما قولكم في صلاة المغرب في السفر، هل ورد فيها أثر عن الشارع من قول أو فعل أنها صليت ثلاث أم لا؟
وأيضا رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، هل ورد فيه نص من الشارع قولي غير مجرد فعله أم لا؟
أفيدونا بما يزيح الإشكال - لا عدمناكم على كل حال - والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله انتهى.
أقول: أما تشييع الجنازة بالتهليل والذكر على الصفة التي تقع في مدينة صنعاء وجهاتها من رفع الأصوات على سبيل المناوبة بين المشيعين، يرفع بعضهم حوته قائلا: لا إله إلا الله مرات ثم يسكت، ويرفع البعض الآخر كذا لا. .. إلخ فلم يكن في زمن النبوة من ذلك شيء، بل ولا في القرون الثلاثة التي في خير القرون (¬1)، بل ولا فيما بعد
¬_________
(¬1) قال ابن تيمية: لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا يقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفا.
وقال أيضا: وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون المفضلة وبذلك يتضح لك أن رفع الصوت بالتهليل الجماعي مع الجنائز بدعة منكرة وهكذا ما شابه ذلك من قوله وحدوه أو اذكروا الله أو قراءة بعض القصائد كالبردة.
ثم قال: " وأما كون أهل البلد، أو بلدين، أو عشر: تعودوا ذلك فليس هذا إجماعا بل أهل مدينة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي نزل فيها القرآن والسنة، وهي دار الهجرة والنصر والإيمان والعلم، لم يكونوا يفعلون ذلك، بل لو اتفقوا في مثل زمن مالك وشيوخه على شيء، ولم ينقلوه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو خلفائه، لم يكن إجماعهم حجة عند جمهور المسلمين، وبعد زمن مالك وأصحابه ليس إجماعهم حجة، باتفاق المسلمين فكيف بغيرهم من أهل الأمصار.
وأما قول القائل: إن هذا يشبه بجنائز اليهود والنصارى، فليس كذلك، بل أهل الكتاب عادتهم رفع الأصوات في الجنائز وقد شرط عليهم في شرط أهل الذمة أن لا يفعلوا ذلك.
ثم إنما نهينا عن التشبه بهم فيما ليس من طريق سلفنا الأول، وأما إذا اتبعنا سلفنا كنا مصيبين، وإن شاركنا في بعض ذلك نم شاركنا كما أنهم يشاركوننا في الدفن في الأرض، وغير ذلك.
أنظر: " مجموع فتاوى ابن تيمية " (24 - 295).

الصفحة 3186