كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

ذلك من أيام السلف الصالح، ولكن لا حرج في ذلك، فإنه [1 أ] من الذكر المندوب إليه في كل حال من غير فرق يبن شخص وشخص، وزمن وزمان، ومكان ومكان.
وأما مجرد كونه بأصوات مرتفعة فليس في ذلك ما يوجب الكراهة، كان خلاف الأولى قد جمع بعض المتأخرين رسالى مستقلة في جواز رفع الصوت بالأذكار، وقد يكون في هذا الرفع بخصوصه فائدة، وهي تذكير الناس بأمر الموت الذي أمر الشارع بالاستكثار من ذكره، وتنشيط السامع إلى القيام إلى تشييع الجنازة، فإن تشييعها سنة صحيحة، وفيه من الأجر العظيم ما تضمنته الأحاديث الواردة في ذلك (¬1)، وهي معروفة، وأولى من هذا الشعار في هذه الديار عند حمل الجنائز ما صار يفعله أهل الحرمين الشريفين من قول المشيعين للجنازة: كان من أهل الخير - رحمه الله -، فإن في هذا من الخير للميت والبر به ما هو معروف فيما صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في حديث: " من شهد له أربعة، أوثلاثة أو اثنان دخل الجنة " والحديث صحيح (¬2).
¬_________
(¬1) في الهامش ما نصه: وأخرج الديملمي عن أنس أكثروا في الجنازة قول لا إله إلا الله.
فضل تشييع الجنازة:
(منها): ما أخرج البخاري في صحيحه رقم (47 و1325) ومسلم رقم (945) وأبو داود رقم (3168) والترمذي رقم (1040) وابن ماجه رقم (1539) والنسائي (4).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين ".
وفي رواية للبخاري: " من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن يرجع بقيراط ".
(ومنها): ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (946) وابن ماجه رقم (1540) من حديث ثوبان - رضي الله عنه -.
(¬2) أخرج البخاري في صحيحه رقم (3168) و (2643) من حديث أبي الأسود قال: قدمت المدينة فجلست إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فمرت بهم جنازة فأثنوا على صاحبها خيرا، فقال عمر- رضي الله عنه - وجبت ثم مر بأخرى فأثنوا على صاحبها خيرا، فقال عمر: وجبت، ثم مر بالثالثة فأثنوا على صاحبها شرا، فقال عمر: وجبت، قال أبو الأسود فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الله الجنه " قال: فقلنا: وثلاثة؟ فقال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: وأثنان. ثم لم نسأله عن الواحد.

الصفحة 3187