كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

وأما السؤال عن وجه إكرام الحبوب المأكولة، وما خبز منها فلا أحفظ في ذلك دليلا يدل على مشروعية إكرامها دلالة صريحة، وأما ما يستفاد منه ذلك ولو بوجه بعيد، فيمكن أن يقال: حديث النهي عن الاستنجاء بالعظم والبعرة، وهو من حديث جابر عند مسلم (¬1) وغيره (¬2) وأخرجه البخاري (¬3) بلفظ: " ولا تأتني بعظم ولا روث " وفي لفظ له في المبعث من الصحيح: " أنهما من طعام الجن "، وأخرج مسلم (¬4) وغيره (¬5) من حديث ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قال: " أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأراهم آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أو فر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لداوبكم " فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " فلا تستنجوا بهم؛ فإنهما طعام إخوانكم ".
وفي الباب أحاديث كثيرة متضمنة للنهي عن الاستنجاء بالعظم والبعر، وفي بعضها التصريح بأن العلة في ذلك هو كونها [1ب] طعام الجن، فزعم بعض أهل العلم أن النهي عن الاستجمار بذلك والتعليل بكونه من طعام الجن يدل على أن له حرمة، فيكون طعام الإنس أولى بالحرمة، وهو مردود بأن العلة هي أنه لما كان طعاما لهم كان الاستنجاء به يقذره عليهم، يمنعهم من أكله، لا يكونه ذا حرمة، فلم يكن في هذه الأحاديث التي وقع التصريح فيها بعلة المنع من الاستجمار بالعظم والبعر أو الروث، وهي أنه طعام الجن دليل على كون الأطعمة تكرم، أو أنها تحترم.
¬_________
(¬1) في صحيحه رقم (85).
(¬2) كأبي داود رقم (38) وأحمد (3) من حديث جابر: " نهى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتمسح بعظم ".
(¬3) في صحيحه رقم (3860).
(¬4) في صحيحه رقم (150).
(¬5) كالبخاري في صحيحه رقم (773).

الصفحة 3190