كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

وأما سؤال السائل - عافا الله - عن المشي في السكك والأسواق بدون إزار.
فإن أراد بالإزار الإزار الذي يستر به الإنسان عورته، وأن الماشي المسؤول عنه يمشي متعربا فهذا حرام بلا شك ولا شبهة، ومنكر يجب على كل مسلم إنكاره على فاعله، وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بستر العورة، وبالغ في ذلك حتى قال لمن قال له: فالرجل يكون خاليا؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " الله أحق أن يستحى منه " والحديث معروف صحيح (¬1)، فإذا كان ستر العورة الخلوة مما أرشد إليه الشارع، ومنع فاعلة من فعله، فكيف بمن برز للناس كاشفا عورته، ومشي في السكك! فإن هذا شيطان من شياطين الإنس، مبارز بمعصية الله، مجاهر بها. ولا نعرف أحدا من المسلمين يعتاد هذا الذي سأل عنه السائل، فكيف تكون عادة لجميعهم كما يدل عليه سياق السؤال!.
وأراد بمشية في السكك والأسواق بغير إزار معنى آخر غير هذا المعنى الظاهر، كأن يريد أن يترك الإزار التي كانت شعار الصحابة - رضي الله عنهم - ويلبس غيرها كالسراويل فلا إنكار في مثل هذا، فإنه قد ستر عورته بما هو أبلغ في الستر من الإزار، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة منهم الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وإن لم يصح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لبسه، من طريق صحيحة، لكنها قد وردت أحاديث أنه اشتراه، وليس هذا موطن ذكرها، وإن أراد بالسؤال معنى آخر غير هذين المعنيين كأن يريد بالإزار الثوب الذي يجعله الإنسان على رأسه، أو على أحد جنبيه،
¬_________
(¬1) أخرجه أحمد في " المسند " (5) وأبو داود رقم (4016) وابن ماجه رقم (1920) والترمذي رقم (2769) وقال: هذا حديث حسن. كلهم من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
وأخرجه البخاري معلقا (1).
وقال الحافظ في " الفتح " (1/ 386) فالإسناد إلى بهز صحيح، ولهذا جزم البخاري وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه.
وهو حديث حسن.

الصفحة 3194