كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 6)

وهذا القيام الذي تقومه الأعاجم هو قيامهم على رؤوس ملوكهم وأكابرهم، فالنهي منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عن هذا القيام، ووعيد من أحبه وتكالب عليه ليس إلا لكونه (¬1) نوع من محبه الشرف والترفع والتكبر، ومن أحب القعود في صدور المجالس وتنحي الناس له عنها، هو لا يكون منه ذلك إلا لهذه الأغراض الفاسدة التي زجر الشارع عنها، وتوعد فاعلها.
وقد أخرج مسلم (¬2) عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس
¬_________
(¬1) في المخطوط (لكون في) ولعل الصواب ما أثبتناه.
(¬2) بل أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6270) ومسلم في صحيحه رقم (2177) وقد تقدم.
قال النووي في شرح لصحيح مسلم (14 - 161): وأما نسب إلى عمر فهو ورع منه، وليس قعوده فيه حراما إذا كان ذلك برضا الذي قام ولكنه تورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه فقام عن غير طيب قلبه فسد الباب ليسلم من هذا أو رأى أن الإيثار بالقرب مكروه أوخلاف الأولى، فكان يمتنع لأجل ذلك لئلا يرتكب ذلك أحد بسببه، قال علماء وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا.
قال ابن القيم في " حاشية السنن ": والقيام يتقسم إلى ثلاث مراتب: قيام على رأس الرجل وهو فعل الجنابرة.
وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به.
وقيام له عند رؤيته وهو في المتنازع فيه.
ذكره الحافظ في " الفتح " (11/ 51).
ثم نقل الحافظ في " الفتح " (11): عن أبي الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه:
الأول: محظور: وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين.
الثاني: مكروه: وهو أن يقع لمن لا يريد تكبرا وتعاظما على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر. ولما فيه من التشبه بالجبابرة.
الثالث: جائز: وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.
الرابع: مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدمه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها.

الصفحة 3200