كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 7)

بنسخ للجميع مطلقا، سواء نقص ركن أم شرط متصل، أم منفصل. ومن ثمة ذكروا أن نسخ صوم يوم عاشورا لا ينسخ معه إجزاء النية للصوم م بعد الفجر (¬1)، بل يبقى
¬_________
(¬1) قال في " المعتمد " (2/ 427 - 428): اعلم أن الصلاة لما كانت واجبة إلى بيت المقدس، كانت واجبة في كل مكان على البدل، وكان يجب على المصلي أن يتوجه في المكان الذي يصلي فيه إلى بيت المقدس. فالتوجه في المكان إلى بيت المقدس هو هيئة من هيئات الصلاة في المكان فنسخ التوجه إلى بيت المقدس إنما يتناول هذه لهيئة، فلم يكن نسخا للصلاة في المكان.
كما أنا لو أمرنا بصوم يوم عاشوراء على صفة، وهي أن نكون في ذلك اليوم متوجهين إلى بيت المقدس، ثم نسخ عنا التوجه فقيل " لا تتوجهوا إلى بيت المقدس " فإن ذلك لا يكون نسخا للصوم في ذلك اليوم. على أن النسخ للتوجه ورد على وجه فيه تثبت لجملة الصلاة. لأن المروي في ذلك هو " ألا إن القبلة قد حولت " وفي ذلك تثبيت للصلاة وكذلك ما ورد في القرآن من ذلك وهو قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144، 150]. وهذا هو النسخ للتوجه إلى بيت المقدس، لأن ذلك يقتضي وجوب التوجه إلى الكعبة ولا يصح الجمع بين التوجه إلى بيت المقدس وإلى الكعبة معا، فوجوب: أحدهما في كل صلاة يصليها ينفي وجوب الآخر. فأما صوم عاشوراء، فإنه ما وجب إلا في ذلك اليوم، فنظيره أن لا تجب الصلاة إلا مكان مخصوص. فلو قيل: " لا تصلوا في ذلك المكان " لكان قد انتفت جملة الصلاة، لأنها لم تجب إلا في ذلك لمكان. ألا ترى أنا نحتاج في وجوبها في مكان آخر إلى دليل آخر؟ وكذلك إذا قيل لنا: " صوموا يوم عاشوراء " ثم قيل لنا بعد حين " لا تصوموا في يوم عاشوراء " فإن ذلك ينفي جملة الصوم، لأنه لم يجب في زمان آخر، وإنما وجب في هذا الزمان فقط، فنفيه فيه نفي لجملته.
فإن قيل كون ذلك نسخا لجملة الصلاة لا يمنع مما نريده، وهو أنه إذا كان يجوز صوم عاشوراء بنية بعد الفجر، جاز في الصوم الواجب فيما بعد، وهو صوم شهر رمضان، أن يجب بنية بعد الفجر، لأنه قد ثبت أن الشرع قد صحح الصوم بنية بعد الفجر. فإذا لم تغير الشريعة ذلك , وجب أن يبقى على ما كان عليه، قيل: إنما كان يجب ذلك لو ورد في ذلك لفظ عموم، نحو أن يقال: " كل صوم شرعي فإنه يصح بنية بعد الفجر، وقبل الزوال ". فأما إذا قيل: هذا الصوم الواقع في صوم عاشوراء يصح بنية بعد الفجر ... فإنه لا يجب مثله في صوم زمان آخر، لأن ذلك عبادة أخرى، ولا يجب أن تتفق العبادات في شرائط صحتها، بل ذلك موقوف على دليل زائد على ما دل. على أن النية بعد الفجر لا تمنع من صحة صوم عاشوراء.

الصفحة 3239