كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 7)

أقول: قد ثبت جواز أخذ ما يعطاه الرجل من بيت المال بلا سؤال منهم. لما ثبت في الصحيحين (¬1) وغيرهما (¬2) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطيني العطاء فأقول:: اعطه من هو أفقر مني إليه، فقال: " خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك ".
وظاهر هذا أنه يجوز قبول العطاء من بيت المال، وإن كان غنيا؛ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال (¬3) - ولا سيما بعد قول عمر الراوي للحديث: " اعطه من هو أفقر إليه مني "، ويوضح ذلك ما وقع في رواية شعيب بلفظ: " خذه فتموله " - وقد حكى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الخلاف هل يجب قبوله أم يندب؟ وفي ذلك ثلاثة مذاهب، وذلك بعد أن حكى ابن جرير الإجماع على أن القبول مندوب.
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1473) ومسلم رقم (1045).
(¬2) كالنسائي (5/ 105 رقم 2608) والبغوي في " شرح السنة " (6/ 128 رقم 1629) وابن خزيمة (4/ 67 رقم 2366).
(¬3) قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص 452): قال الإمام الشافعي: ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتما ينزل منزلة العموم في لمقال. قال في " المحصول " (2/ 386 - 387): مثاله أن ابن غيلان أسلم عن عشر نسوة فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمسك أربعا منهن وفارق سائرهن "
أخرجه أحمد (2/ 44) وابن ماجه رقم (1953) والترمذي رقم (1128) من حديث ابن عمر وهو حديث صحيح. ولم يسأل عن كيفية ورود عقده عليهن في الجميع والترتيب فكان إطلاقه القول دالا على أنه لا فرق بين أن تتفق تلك العقود معا أو على الترتيب، وهذا فيه نظر لاحتمال أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرف عرف خصوص الحال فأجاب بناء على معرفته ولم يستفصل " اهـ.
ويجاب عنه بأن هذا الاحتمال إنما يصار إليه إذا كان راجحا. وليس بمساو، فضلا عن أن يكون راجحا.
وانظر: " المسودة " (ص 109)، " الفروق " (2: 88، 90).

الصفحة 3262