كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 8)
فأَخَذَ منها أميرُ المؤمنين عليٌّ ـ عليه السلام ـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه أنه يُلقى على اللائطِ (¬1) حائط.
وعن ابن عباس (¬2) يلقى من أعلى إلى أسفلَ في أعلى بناءٍ في البدل ثم يُتبعُ الحجارةَ. وفي القرآن شيءٌ كثير لو استوفيناه لخرجْنا عن المقصودِ، فعرتَ أنَّهم أخذوا أحكامًا من فعل الله (¬3)، لأنه من باب السؤال عمّا يفعلُ ـ سبحانه وتعالى ـ فَذَا مِنَ التعرضِ للإحاطةِ بحكمة اللهِ في خلقِ الخلقِ، وكما تعرَّضَتِ الملائكةُ ـ عليهم السلام ـ بقولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (¬4) الآية، فلم يُشْفِهم تعالى من الاطَّلاع عليه، بما يَشْفي غُلَّةً، ولا أجابَ عليهم إلاَّ بعلمِه ما لا يعلمونَ في الجملة، ثم قمعَهم بإظهار آدم ـ عليه السلام ـ حين علَّمه الأسماءَ فأنبأهم بها معارضةً لما توهَّموه من الفسادِ المحضِ. ومثلُ ذلك ما لا يكونَ لا يسألُ عما يفعل وهم يُسْألونَ.
هذا هو الذي يرادُ من معنى الآية [5أ] فما قضتْ به حكمتُهُ فهو يحملُ عليه معنى النَّهي في الآية أنَّه لا يسأل عنه. ولْنَذْكُرْ شاهدًا على ما ذكرناه: أخرج البيهقيُّ في كتاب الأسماء والصفات (¬5) عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، "قال: لما بعثَ الله موسى ـ عليه السلام ـ وكلَّمه [وأنزل عليه التوارة] (¬6) فقال: اللهم إنك ربٌّ عظيمٌ، لو شئتَ أن تُطاعَ لأُطعتُ، ولو رضيتَ أنْ لا تُعْصى ما عُصيتَ (¬7)، فكيف هذا يا ربِّ!؟ فأوحى الله تعالى إليه أني لا أُسأَلُ عما أفعلُ وهم يسألون، فانتهى موسى. رواه
¬_________
(¬1) انظر "نيل الأوطار" (7/ 287. "المغني" (12/ 348 - 351).
(¬2) انظر المرجع السابق.
(¬3) انظر الرسالة رقم (121).
(¬4) [البقرة: 30].
(¬5) (1/ 446 رقم 368) بإسناد ضعيف.
(¬6) زيادة من "الأسماء والصفات" (1/ 446).
(¬7) [وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعطي] زيادة من مصادر الأثر.