كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 8)

المخابرة". قال: والمخابرةُ أن يأخذَ الأرضَ بنصفٍ، أو ثلثٍ، أو ربعٍ، أخرجه أبو داود (¬1). وبحديث جابرٍ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "من لم يذرِ المخابرةَ فليأذنْ بحرب من الله ورسوله" أخرجه أو داود (¬2). وبما ذكره الحازميُّ في "الاعتبار" (¬3) عن رافع بن خُديجٍ أنَّ رجلاً كان له أرضٌ فعجزَ عنها أن يزرعها، فجاء رجلٌ فقال: هل لك أن أزرع أرضَك، فما خرجَ منها من شيء كان بيني وبينَك؟ فقال: نعم حتى أستأذن رسولَ الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال: فأتى رسولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فسأله، فلم يرجعْ إليه شيئًا، قال: فأتيتُ أبا بكر وعمر، فقلتُ لهما: فقالا: ارجع إليه، فرجعت إليه الثانيةَ فسألتُه فلم يردَّ شيئًا، فرجعت إليهما فقالا: انطلق فازرعْها، فإنه لو كان حرامًا نهاكَ عنه، قال: فزرعَها الرجلُ حتى انفترَ زرعُها، واخضرَّ، وكانت الأرض على طريقٍ لرسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فمرَّ بها يومًا، فأبصرَ الزرعَ فقال: "لمن هذه الأرض" فقالوا: لفلان زارعَ بها فلانًا، فقال: "ادعُوهما إليَّ جميعًا" قال: فأتيناه فقال لصاحب الأرض: "ما أنفق هذا في أرضك فردَّه عليه، ولك ما أخرجتْ أرضُك". وهذا الحديثُ قد اعتمده الحازميُّ، وختم به البحثَ.
القول الثاني: الجوازُ مطلقًا بلا كراهةٍ، وإليه أيضًا ذهب جماعةٌ من الصحابة، والتابعين، وأهل البيت، والفقهاء، واستدلوا" بأنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ عامَلَ أهلَ خيبرَ بشطرِ ما يخرجُ من تمر أو زرع". رواه أحمد (¬4)، والبخاريُّ (¬5)، ومسلم (¬6)،
¬_________
(¬1) في "السنن" رقم (3407). وهو حديث صحيح.
(¬2) في "السنن" رقم (3406). وهو حديث ضعيف.
(¬3) (ص418).
(¬4) في "المسند" (2/ 17، 22، 37).
(¬5) في صحيحه رقم (2285، 2328).
(¬6) في صحيحه رقم (1/ 1551).

الصفحة 3857