كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)

ينافي ما هو فيه من القربة، أخذ ما يحتاج إليه من بيت مال المسلمين، وما زال عمل المسلمين على هذا منذ قامت الملة الإسلامية إلى الآن، مع كل ملك من الملوك، فجماعة يلون لهم القضاء، وجماعة يلون لهم الإفتاء، وجماعة يلون لهم على البلاد التي إليهم، وجماعة يلون لهم إمارة الجيش، وجماعة يدرسون في المدارس [2أ] الموضوعة لذلك، وغالب جراياتهم من بيت المال (¬1).
فإن قلت: قد يكون من الملوك من هو ظالم جائر، قلت نعم، ولكن هذا المتصل بهم لم يتصل بهم ليعينهم على ظلمهم وجورهم، بل ليقضي بين الناس بحكم الله، أو يفتي بحكم الله، أو يقبض من الدعاوي ما أوجبه الله، أو يجاهد من يحق جهاده، ويعادي من تحق عداوته، فإن كان الأمر هكذا، فلو كان الملك قد بلغ من الظلم إلى أعلى درجاته، لم يكن على هؤلاء من ظلمه شيء، بل إذا كان لأحدهم مدخل في تخفيف الظلم، ولو أقل قليل، أو أحقر حقير، كان مع ما هو فيه من المنصب مأجورًا أبلغ أجر؛ لأنه قد صار - مع منصبه - في حكم من يطلب الحق، ويكره الباطل، ويسعى بما تبلغ إليه طاقته في دفعه، ولم يعنه على ظلمه، ولا سعى في تقرير ما هو عليه، أو تحسينه، أو إيراد الشبه في تجويزه، فإن أدخل نفسه في شيء من هذه الأمور، فهو في عداد الظلمة، وفريق الجورة، ومن جملة الخونة.
وليس كلامنا فيمن كان هكذا، إنما كلامنا فيمن قام بما وكل إليه من الأمر الديني، غير مشتغل بما هم فيه، إلا ما كان من أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو تخفيف ظلم أو تخويف من عاقبته أو وعظ فاعله بما يندفع فيه بعض شره، وكيف يظن بحامل علم، أو بذي دين، أن يداخل الظلمة فيما هو ظلم، وقد تبرأ الله سبحانه إلى عباده من الظلم، فقال: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (¬2)، وقال: {وما ربك
¬_________
(¬1) انظر الرسالة رقم (142).
(¬2) [النحل: 118].

الصفحة 4668