كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)

ظفر بعد استكثاره من هذه البليات، بمنصب من المناصب، فكان أشر أهل ذلك المنصب، وبلغ في التكالب على الحطام، والتهافت على الجرائم، إلى أبلغ غاية.
ومنهم من جالس - بعد مزيد من التعفف، وكثرة التقاعس - ملكًا، أو قريب ملك أو صاحب ملك، فصار يطربهم بما لا يستحل بعضه فضلاً عن كله - من له أدنى وازع من دين، بلا أدنى زاجر من عقل، بل عرفنا منهم من صار نمامًا، وضعه من يتصل به لنقل أخبار الناس إليه ففعل، ولكن لم يقتصر على نقل ما سمع، بل جاوز ذلك إلى التزيد عليه بالزور والبهت، حتى يجعل ذلك الذي وضعه للنقل عدوًا عظيمًا لمن لا ذنب له، ولا قال بعض ما كذب عليه، فضلاً عن كله.
وبالجملة، ما جربنا واحدًا من هذا الصنف، إلا وكشفت الأيام عن باطن مخالف ما كان يظهره، وقول وفعل ينافي مما كان يشتغل به أيام تعطله [4أ]، فليأخذ المتحري لدينه حذره منهم، ولا يركن عليهم في شيء من الأعمال الدينية، كائنًا ما كان.
فإن قلت: إذا أظهر ظهورًا بينًا، أن بعض المداخلين يعينه على ظلمه بيده أو لسانه، أو يسوغ له ذلك، أو يظهر من الثناء عليه ما لا يجوز إطلاقه على مثله.
قلت: من كان هكذا، فهو من جنس الظلمة، وليس من الجنس الذي قدمنا ذكره من المداخلين لهم. والظلم، كما يكون باليد، يكون باللسان وبالقلم، وقد يكون ذلك أشد. وكلامنا فيمن يتصل بهم، غير معين لهم ما لا يحل، ولا مشارك لهم بيد ولا لسان بل يكون رجلاً مقصده بالاتصال بهم.
[مقاصد الاتصال بالسلاطين]
الاستعانة بقوتهم على إنفاذ حكم الله عز وجل.
وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بحسب الحال، وبما تبلغ إليه الطاقة.
مثلاً إذا كان العالم ينكر ما يراه من المنكرات على الرعايا، ولا يقدر على ذلك، إلا إذا كان له يد من السلطان، يستعين بها على ذلك، فهذا خير كبير، وأجر عظيم.

الصفحة 4674