كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)

ولا يمكن حصر عدد من يتصل - من أهل العلم والفضل -، بسلاطين قرن من القرون، بل بسلاطين بعض القرن في جميع الأرض، ونحن نعلم علمًا يقينًا، أنه لا بد لكل ملك وإن كانت ولايته خاصة بمدينة من مدائن الإسلام، فضلاً عن قطر من الأقطار فضلاً عن كثير من الأقطار، أن يكون معه جماعة ممن يلي المناصب الدينية، وإلا لم يستقم له أمر، ولا تمت له ولاية، ولا حصلت له طاعة، ولا انعقدت له بيعة يعلم هذا كل عاقل من المسلمين [6أ] فضلاً عن أهل العلم منهم.
وإذا كان الأمر هكذا، فكم لهذا الطاعن المشئوم من خصوم، قد لا يعد لأحقرهم قدرًا، وأقلهم علمًا وفضلاً وهو لا يخرج عن قسمين:
إما أن يكون من قسم المغتابين، أو قسم الباهتين، ولهذا يقول الصادق المصدوق- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " إن كان فيه ما تقوله فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقوله فقد بهته " (¬1)، فهو واقع في المأثم العظيم، والذنب الوخيم، على كل تقدير وفي كل حالة.
ثم هذا المزري على من يتصل بسلاطين الإسلام، من أهل العلم والفضل القائمين بالمناصب الدينية، قد وقع في إساءة الظن بجميع من اتصل بهم على الصفة التي بيناها، من دخول جميع هذا الجنس تحت سوء ظنه، وباطل اعتقاده، وزائف خواطره، وفاسد تخيلاته، وكاسد تصوراته، وفي هذا ما لا يخفى من مخالفة هذه الشريعة المحمدية، والطريقة الإيمانية. ومع هذا فالمتصل بهم من أهل المناصب الدينية، قد يغضي في بعض الأحوال عن شيء من المنكرات، لا لرضًا به، بل لكونه قد اندفع بسعيه ما هو أعظم
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2589) وأبو داود رقم (4874) والترمذي رقم (1934) وقال: حسن صحيح. وأحمد (2/ 230، 384) والدارمي (2/ 299) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
* بهته: أي كذبت وافتريت عليه.
" النهاية " (1/ 165).

الصفحة 4681