كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)

ولا شك أن مساعدته في مخالفة أمر السلطان، وعدوله إلى أنه لم يبلغهم الأمر، إذا سمعها من لا يعرف الحقائق، أنكر عليه وقال وكيف يكون أمر السلطان في تسعير بضاعة أو نحو ذلك موجبًا لقتل من لم يمتثل، وعد ذلك من المداهنة، وعدم التصميم على الحق، ولو عقل ما عقله ذلك العالم الصالح، لعلم أنه قد جارى السلطان مجاراة كانت سببًا لسلامة جماعة كثيرة من المسلمين، ولو لم يفعل ذلك لقتلوا جميعًا.
إذا عرفت هذا، وتبين لك أن الأفعال المخالفة للشريعة، في بعض الحالات، وكذلك الأحوال التي تكون ظاهرة المخالفة قد تكون على خلاف ما يقتضيه الظاهر، ومتبين أنها من أعظم الطاعات، وأحسن الحسنات، فكيف ما كان منها محتملاً؟ هل ينبغي لمسلم أن يسارع بالإنكار، ويقتحم عقبة المحرم من الغيبة أو البهت وهو على غير ثقة من كون ما أنكره منكرًا، وكون ما أمر به معروفًا؟ وهل هذا إلا الجهل الصراح، أو التجاهل البواح؟.
دع هذا، وانتقل عنه إلى شيء لا يحمل عليه الجهل، بل مجرد الحسد أو المنافسة، كما هو الغالب، على ما تقدم بيانه، فإن أهل المناصب الدينية من القضاة ونحوه، إذا اشتغل صاحبه بما وكل إليه، وتجنب ما فيه عمل الملوك وأعوانهم، من تدبير المملكة، وما يصلحها وما تحتاج إليه، ويقوم بجندها، وأهل الأعمال فيها، إلا إذا اقتضى [7أ] الحال الكلام معهم فيما يوجبه الشرع، من أمر بمعروف أو نهي عن منكر، والقيام في ذلك بما تبلغ إليه الطاقة، ويقتضيه طبع الوقت، فهل مثل هذا حقيق من عباد الله الصالحين، بالدعوات المتكررة بالتثبيت والتسديد، واستمداد الإعانة من رب العالمين، أم هو حقيق بالثلب والاغتياب، خبطًا وجزافًا وحسدًا ومنافسة، وهل هذا شأن الصالحين من المؤمنين أم شأن إخوان الشياطين؟ كما قال الشاعر:
إن سمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرًا أذاعوا وإن لم يسمعوا أفكوا
وكما قال:
إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحًا ... عني وما سمعوا من صالح دفنوا

الصفحة 4683