كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله.
كثر الله فوائدكم، قد أحسنتم وأوفدتم بما حررتم آخرًا كما أفدتم وأجدتم بما حررتم أولاً، واستحسنت الإقدام على الجواب المتضمن للمناقشة، كما استحسنت سابقا الإقدام على جواب أصل السؤال، فأقول: كان عليكم أن تقدموا مقدمة قبل المناقشة قائلة أن المذاهب في الإطلاق والتقييد ثلاثة (¬1) إطلاقان وتفصيل.
فالإطلاق الأول: البناء مطلقًا من غير نظر إلى من نظر إليه أهل التفصيل.
المذهب الثاني: عدم البناء مطلقًا بل ترك المطلق على إطلاقه وإعمال المقيد فيما قيد به.
المذهب الثالث: التفصيل الناظر إلى اتحاد السبب (¬2) وعدمه على ما في ذلك التفصيل
¬_________
(¬1) انظر " البحر المحيط " (3/ 414) و" الكوكب المنير " (3/ 393).
(¬2) اعلم أن الخطاب إذا ورد مطلقًا لا مقيدًا حمل على إطلاقه، وإن ورد مقيدًا عمل على تقييده، وإن ورد مطلقًا في موضع مقيدًا في موضع آخر فذلك على أقسام:
1 - أن يختلفا في السبب والحكم فلا يحمل أحدهما على الآخر بالاتفاق كما حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني في " التقريب والإرشاد " (3/ 309) وإمام الحرمين الجويني في " البرهان " (1/ 432 - 435) والكيا الهراسي وابن برهان والآمدي.
انظر: " البحر المحيط " (3/ 417) و" الأحكام " (3/ 6).
2 - أن يتفقا في السبب والحكم فيحمل أحدهما على الآخر كما لو قال: إن ظاهرت فأعتق رقبة. وقال في موضع آخر: إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة وقد نقل الاتفاق في هذا القسم القاضي أبو بكر الباقلاني في " التقريب والإرشاد " (3/ 309).
وقال ابن برهان في " الأوسط ": اختلف أصحاب أبي حنيفة في هذا القسم فذهب بعضهم إلى أنه لا يحمل. والصحيح من مذهبهم أنه يحمل.
" البحر المحيط " (3/ 418).
3 - أن يختلفا في السبب دون الحكم كإطلاق الرقبة في كفارة الظهار وتقييدها بالإيمان في كفارة القتل فالحكم واحد وهو وجوب الإعتاق في الظهار والقتل مع كون الظهار والقتل سببين مختلفين، وهذا القسم هو موضع الخلاف فذهب كافة الحنفية إلى عدم جواز التقييد. حكاه القاضي عبد الوهاب عن أكثر المالكية وذهب جمهور الشافعية إلى التقييد. انظر مزيد تفصيل: " المحصول " (3/ 145 - 146)، " اللمع " (ص24)، " البحر المحيط " (3/ 422).
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص545): وفي المسألة مذهب رابع لبعض الشافعية، وهو أن حكم المطلق بعد المقيد من جنسه موقوف على الدليل، فإن قام الدليل على تقييده قيد وإن لم يقم الدليل صار كالذي لم يرد فيه نص فيعدل عنه إلى غيره من الأدلة. قال الزركشي في " البحر " (3/ 422) وهذا أفسد المذاهب الأربعة لأن النصوص المحتملة يكون الاجتهاد فيها عائدًا إليها ولا يعدل إلى غيره.
وفي المسألة حكم خامس وهو أن يعتبر أغلظ الحكمين في المقيد فإن كان حكم المقيد أغلظ حمل المطلق على المقيد ولا يحمل على إطلاقه إلا بدليل لأن التغليظ إلزام وما تضمنه الإلزام لا يسقط التزامه باحتمال.
قال الشوكاني: هذا أبعد المذاهب عن الصواب.
4 - أن يختلفا في الحكم نحو: أكس يتيمًا، أطعم تميميًا عالمًا. فلا خلاف في أنه لا يحمل أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه سواء كانا مثبتين أو منفيين أو مختلفين اتحد سببهما أو اختلف وقد حكى الإجماع جماعة من المحققين آخرهم ابن الحاجب.
انظر: " مختصر ابن الحاجب " (2/ 156)، " اللمع " (ص280).
الصفحة 4725
6373