كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)

وجدها في يد رجل متهم بسرقتها، فإن كان ما في الحديثين يؤدي هذا المعنى ويفيده فأي خلل في هذا الإطلاق والتقييد، وأي مناقشة ترد على الحمل.
إن قال المجيب - كثر الله فوائده -: إن مثل هذا التركيب الذي جعلناه مثالاً لا يستفاد من الحديثين، وأنه يمنع ذلك حتى نقرره بوجه يوجب التسليم.
فنقول: أما الرواية (¬1) التي في حديث سمرة فهي في السؤال الذي كتبه السائل - كثر الله فوائده - هكذا. وفي لفظ: " إذا سرق من الرجل متاع، أو ضاع منه فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به ". ولا شك ولا ريب أن هذا اللفظ يتضمن المثال الذي ذكرناه سابقًا، وهو قولنا: العين المسروقة يأخذها مالكها إذا وجدها في يد رجل، ويتضمن ما يؤدي هذا المعنى من أمثلة يكثر تعدادها.
وأما حديث أسيد فقد صرحت في الجواب تصريحًا لا يبقى بعده ارتياب بأنه قد اشتمل على طرفين.
أحدهما: التصريح بحكم غير المتهم.
الثاني: السكوت عن حكم المتهم مع استفادته من المقابلة (¬2)، ومن مفهوم [2أ] ....
¬_________
(¬1) تقدم تخريجها.
(¬2) قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص591): مفهوم المخالفة هو حيث المسكوت عنه مخالفًا للمذكور في الحكم إثباتًا ونفيًا، فيثبت للمسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به.
وجميع مفاهيم المخالفة حجة عند الجمهور إلا مفهوم اللقب وأنكر أبو حنيفة الجميع.
انظر: " البحر المحيط " (4/ 15)، " تيسير التحرير " (1/ 94).
وللقول بمفهوم المخالفة شروط:
1 - أن لا يعارضه ما هو أرجح منه من منطوق أو مفهوم موافقة وعليه تفصيل. انظر: " البحر المحيط " (4/ 18).
2 - أن لا يكون المذكور قصد به الامتنان كقوله تعالى: {لتأكلوا منه لحما طريا} فإنه لا يدل على منع أكل ما ليس بطري.
3 - أن لا يكون المنطوق خرج جوابًا عن سؤال متعلق بحكم خاص ولا حادثة خاصة بالمذكور وهكذا قيل ولا وجه لذلك فإنه لا اعتبار بخصوص السبب ولا بخصوص السؤال.
انظر مزيد تفصيل: " البحر المحيط " (4/ 22)، " تيسير التحرير " (1/ 99).
4 - أن لا يكون المذكور قصد به التفخيم وتأكيد الحال كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد " وهو حديث متفق عليه.
فإن التقيد بالإيمان لا مفهوم له وإنما ذكر لتفخيم الأمر.
" الكوكب المنير " (3/ 492).
5 - أن يذكر مستقلاً، فلو ذكر على وجه التبعية لشيء آخر فلا مفهوم له كقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187].
فإن قوله: في المساجد لا مفهوم له؛ لأن المعتكف ممنوع من المباشرة مطلقًا.
" البحر المحيط " (4/ 23).
6 - أن لا يظهر من السياق قصد التعميم فإن ظهر، فلا مفهوم له كقوله تعالى: {والله على كل شيء قدير} [البقرة: 284].
للعلم بأن الله سبحانه قادر على المعدوم والممكن وليس بشيء فإن المقصود بقوله: {كل شيء} للتعميم.
7 - أن لا يعود على أصله الذي هو منطوق بالإبطال، أما لو كان كذلك فلا يعمل به.
انظر " الكوكب المنير " (3/ 495 - 496)، " البحر المحيط " (4/ 23).

الصفحة 4727