كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)

والتلازم (¬1)، وشرع من قبلنا (¬2) ليست أدلة، ثم قوله بعد ذلك: والنقل فيه شيء؛ لأن
¬_________
(¬1) التلازم أربعة أقسام: لأن التلازم إنما يكون بين حكمين وكل واحد منهما إما مثبت أو منفي، وحاصله إذا كان تلازم تساو فثبوت كل يستلزم ثبوت الآخر ونفيه نفيه.
وإن كان مطلق اللزوم فثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم من غير عكس، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم من غير عكس، وإذا كان بين الشيئين انفصال حقيقي فثبوت كل يستلزم نفي الآخر ونفيه ثبوته، وإن كان منع جمع فثبوت كل يستلزم نفي الآخر من غير عكس.
وخلاصة هذا البحث ترجع إلى الاستدلال بالأقيسة الاستثنائية والاقترانية.
قال الشوكاني في آخر البحث - التلازم -: والصواب أنه استدلال لا دليل ولا مجرد دعوى.
" الكوكب المنير " (4/ 397)، " الإحكام " للآمدي (4/ 125).
(¬2) وهي الأحكام التي شرعها الله تعالى لمن سبقنا من الأمم، وأنزلها على أنبيائه ورسله لتبليغها لتلك الأمم.
" تيسير التحرير " (3/ 229)، " إرشاد الفحول " (ص779).
وهي على أربعة أنواع:
الأول: أحكام جاءت في القرآن أو في السنة، وقام الدليل في شريعتنا على أنها مفروضة علينا كما كانت مفروضة على من سبقنا من الأمم والأقوام، وهذا النوع من الأحكام لا خلاف في أنه شرع لنا، ومصدر شرعيته وحجيته بالنسبة إلينا هو نفس نصوص شريعتنا مثل فريضة الصيام، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 183].
الثاني: أحكام قصها الله في قرآنه أو بينها الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سننه، وقام الدليل من شريعتنا على نسخها في حقنا، أي أنها خاصة بالأمم السابقة، فهذا النوع لا خلاف في أنه غير مشروع في حقنا مثل ما جاء في قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} [الأنعام: 145 - 146].
دلالة الآية: ما حرم على بني إسرائيل لم يحرم علينا بل أحله لنا.
الثالث: أحكام نقلت إلينا من كتب أصحاب تلك الشرائع أو على ألسنة أتباعها، وهذا النوع لا يكون شرعًا لنا بلا خلاف بين العلماء، لما وقع في كتبهم من تغيير وتحريف، ولأن غير المسلم لا يوثق به في نقل شريعة المسلم إليه، بل لا يوثق به حتى في نقل ما هو شرع على ادعائه. قال تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}.
الرابع: أحكام قصها الله في قرآنه أو بينها الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سنته، ولم يقم دليل من سياق هذه النصوص على بقاء الحكم أو عدم بقائه بالنسبة لنا مثل قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص} [المائدة: 45] فهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلاف، واختلف في حجيته بالنسبة إلينا، والحق أن هذا الخلاف غير مهم في العمل.
لأننا نجد القائلين بأن شرع من قبلنا حجة يلزمنا العمل بها قلما يحتجون به في مسألة إلا ويقصدون احتجاجهم هذا بدليل آخر ثابت من شرعنا ومقبول لدى الجميع على وجه الإجمال.
كما أننا نجد القائلين بنفيه كثيرًا ما يستأنسون بنصوص تذكر أحكامًا وردت في شرع من قبلنا وإن كانوا لا يعتمدونها أصلاً في هذه المسألة.
" المسودة " (ص193 - 194) و" أصول مذهب الإمام أحمد " (ص541).

الصفحة 4745