كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 9)

رمى ولدها فعليه الحد. ورمي الولد هاهنا مطلق لم يقيد بكون الرمي له [5ب] هو الرمي لأمه، ثم قد ثبت في الصحيحين (¬1) وغيرهما (¬2) من حديث أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يقول: " من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال " فهذا فيه التصريح بثبوت حد السيد إذا قذف مملوكه، وإنما كان مؤخرًا إلى يوم القيامة (¬3) لأنه لا يثبت للعبد ذلك في الدنيا، فهو يدل أبلغ
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6858) ومسلم رقم (37/ 1660).
(¬2) كأحمد (2/ 431) وأبو داود رقم (5165) والترمذي رقم (1940).
قال ابن حجر في " الفتح " (12/ 181): تضمنت الآية الأولى بيان حد القذف: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون}.
والثانية بيان كونه من الكبائر بناء على أن كل ما توعد عليه باللعن أو العذاب أو شرع فيه حد فهو كبيرة وهو المعتمد.
{إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} وبذلك يطابق الحديث الآيتين المذكورتين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ".
ثم قال ابن حجر: وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء.
(¬3) " ... وإنما خص ذلك بالآخرة تمييزًا للأحرار من المملوكين، فأما في الآخرة فإن ملكهم يزول عنهم ويتكافئون في الحدود، ويقتص لكل منهم إلا أن يعفو، ولا مفاضلة حينئذ إلا بالتقوى .. ".
" فتح الباري " (12/ 185).
* والقذف: هو الرمي بالزنى، وهو محرم بإجماع الأمة، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} [النور: 4].
وقال سبحانه وتعالى: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} [النور: 23].
وأما السنة: فقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: " الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ". متفق عليه.
ثم قال ابن قدامة في " المغني " (12/ 384) وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف المحصن إذا كان مكلفًا.

الصفحة 4758