كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 10)

وأما في مقام المنع من اشتراط ذلك بل في غيره من الأدلة سواء في حجية ما كان فيه ظنيا، وكذلك الطريق إليه لا اشتراط قطعيتها. وكذلك دليل حجيته عندي دليل اشتراط قطعيتها، فلذا اكتفيت بتلك االوعيدات الذي ذكرتها، كما لم ينتهض عندي اشتراط قطيعة دليل كثير من مسائل الأصول، كالقياس وغيره. ومن ادعى اشتراط ذلك [1أ] أفادنا دليلا نرتضيه، والأصح فالإجماع وغيره سواء في الاكتفاء بالظن، وكذلك في عدم القطع بمدلوله، ثم إن الاستبعاد والتشكيك فيه يعودان إلى هذا أعني اشتراط حصول القطع به؛ إذ لا يخفى أنه تعبد أو متعذر في الكثير منه، وإن حصل القطع في أفراد منه، فإنما غالب ذلك لكون مستنده ضروريا - أو تواتريا، فالقطع به لقطعية مستنده (¬1) وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. (¬2)
نعم. وطريقه هذا الإجماع الظني البحث عن القائلين بالمسألة، فإذا تظافرت أقوالهم على المسألة، ولم يوجد من يخالفهم بعد البحث حصل الظن بعدمه. ولهذا نظائر في مسائل عديدة، منها في البحث عن المعارض، والمرجح، والناسخ، والمخصص، وغير ذلك فمثل ذلك يحصل الظن بحقية ما اجتمع عليه هؤلاء كما يحصله خبرا الآحاد والقياس وغيرهما، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنه إذا لم يوجد في السلف مخالف فيه يؤنس السيد الحسن - رحمه الله - فيوشك أن يقع بأغرابه في وعيد الشذوذ، واتباع السبل المتفرقة عن الجادة العظمى التي عليها السواد الأعظم، وما ذكره من أن في نفسه من دعوى الإجماع شيئا الظاهر أن مراده ذلك نفسه من أصل دعوى الإجماع، وثبوت
¬_________
(¬1) أي مستند الإجماع إذ لا بد للإجماع من مستند شرعي؛ لأن القول في الدين بغير علم، وبغير دليل قول بالهوى.
وسند الإجماع قد يكون من الكتاب أو من السنة، وقد يكون انعقاد الإجماع عن اجتهاد أو قياس كما ذهب إليه الأكثرون.
" البحر المحيط " (4/ 496)، " حجية الإجماع " (ص 173).
(¬2) تقدم توضيحه مرارا.

الصفحة 4770