كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

بسم الله الرحمن الرحيم
وجدت بخط المولى شيخ الإسلام ما لفظه: سانحة فكرت بعض الليالي في حديث: "المتحابون في الله على منابر من نور" (¬1) فاستعظمت هذا الجزاء مع حقارة العمل، ثم
¬_________
(¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2390) من حديث معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ".
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
- وأخرجه أحمد (5/ 239) والطبراني في "الكبير" (20/ 144، 145، 146، 147، 148، 149، 151) وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 131) من طرق.
- وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (577) بلفظ: عن أبي مسلم الخولاني، قال: قلت لمعاذ بن جبل: والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك، قال: فلأي شيء؟ قلت: لله، قال: فجذب حبوتي، ثم قال: أبشر إن كنت صادقا، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء".
- وأخرج أحمد في: "المسند" (2/ 292) ومسلم رقم (38/ 2567) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (350) والبغوي في "شرح السنة" رقم (3465) عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى قال: فأرصد الله له على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، فقال له: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك، إن الله جل وعلا أحبك كما أحببته فيه".
- وأخرج مسلم في صحيحه رقم (37/ 2566) وأحمد (2/ 237) والدارمي (2/ 312) والبغوي في "شرح السنة" رقم (3462) ومالك في "الموطأ" (2/ 952) من طرق.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تبارك وتعالى أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ". وهو حديث صحيح.
- وأخرج أحمد (5/ 233) والطبراني في "الكبير" (20/ 144، 145، 147، 148) والحاكم (4/ 170) من حديث معاذ. وهو حديث صحيح.
- وأخرج ابن حبان رقم (573) والطبري في "تفسيره" (7 \ جـ11/ 132) والنسائي في: "السنن الكبرى " رقم (11236) بإسناد حسن.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].
- وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا أيها الناس، اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله" فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس، وألوى بيده إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله! انعتهم لنا جلهم لنا، يعني: صفهم لنا شكلهم لنا، فسر وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسؤال الأعرابي فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هم ناس أفناء الناس ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها، فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا. يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
- أخرجه أحمد (5/ 343) وقال الهيثمي في "المجمع" (10/ 276 - 277): " رواه كله أحمد، والطبراني بنحوه ورجاله وثقوا". وهو حديث حسن.
* وأخرجه الحاكم (4/ 170) من حديث عمر بإسناد صحيح.
*وأخرجه أبو يعلى في مسنده رقم (6110) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 239) بإسناد صحيح.
*عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يأثر عن ربه تبارك وتعالى يقول: "حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في ".
وقد صحح الحديث الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4320).
* وعن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله عز وجل: قد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي ".
- أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 386) والطبراني في "الصغير" (1095) وفي "الأوسط" رقم (9076) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (8996) وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/ 279) وقال: رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات. وهو حديث صحيح.
قال القرطبي في "المفهم" (6/ 543): في هذه الأحاديث - ما أخرجه مسلم رقم (37/ 2566)، (38/ 2567) - على أن الحب في الله والتزاور فيه من أفضل الأعمال، وأعظم القرب إذا تجرد ذلك عن أغراض الدنيا وأهواء النفوس، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان".
أخرجه أحمد (3/ 438، 440) وأبو داود رقم (4681) من حديث أبي أمامه وهو حديث صحيح.
- وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 438، 440) والترمذي رقم (2521) والحاكم (1/ 61) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (15) وأبو يعلى في مسنده رقم (1485) من حديث معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه. وهو حديث حسن.
- وأخرج البخاري في صحيحه رقم (6941) ومسلم رقم (43) والترمذي رقم (2624) والنسائي (8/ 96).
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (2/ 13 - 14): هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام، قال العلماء رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضى الله عز وجل ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم " (1/ 278 - 279): " وذلك لا تتضح محبة الله ورسوله حقيقة، والحب للغير في الله وكراهة الرجوع إلى الكفر، إلا لمن قوى بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه وانشرح له صدره. وخالط دمه ولحمه، وهذا هو الذي وجد حلاوته. والحب في الله من ثمراته الحب لله.
ومعنى حب العبد لله: استقامته في طاعته، والتزامه أوامره ونواهيه في كل شيء. ولهذا قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضي الرب، فيحب ما أحب ويكره ما يكره.
قال الحافظ في "الفتح" (1/ 62): قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد " رقم (544) وابن حبان في صحيحه رقم (566) وأبو يعلى في مسنده رقم (3419) والبزار رقم (3600 - كشف) والحاكم (4/ 171) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.
انظر: "الصحيحة" رقم (450).

الصفحة 5297