كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

راجعت الذكر فوجدت التحاب في الله من أصعب الأمور وأشدها، ووجوده في الأشخاص الإنسانية أعز من الكبريت الأحمر، فذهب ما تصورته من الاستعظام للجزاء، وبيان ذلك أن التحاب الكائن بين النوع الإنساني راجع عند إمعان النظر إلى محبة الدنيا، لا يبعث عليه إلا عرض دنيوي، فإنك إذا عمدت إلى الفرد الكامل من نوع المحبة وهو محبة الولد لوالده، والوالد لولده، وأحد الزوجين للآخر وجدته يؤول إلى محبة الدنيا لزواله بزوال الغرض الدنيوي، مثلا لو كان لرجل ولد كامل الأدوات والحواس الظاهرة والباطنة وجدته في الإشفاق عليه والمحبة له بمكان تقصر عنه العبارة؛ لأنه يرجو منه بعد حين أن يقوم بما يحتاج إليه من حوائج الدنيا، فلو عرض له الموت، وهو بهذه الصفة حصل مع والده ما نشاهده فيمن مات ولده من الغم والحزن والتحسر والتلهف [1ب] والبكاء والعويل، ولكن هذا ليس إلا لذلك الغرض الدنيوي، ويوضح ذلك هذا أنه لو حصل مع الولد عاهة من العاهات التي يغلب على الظن استمرارها، وعجز من كانت به عن القيام بأمور الدنيا كالعمى، والإقعاد، وجدت والده عند ذلك يعد أيامه من عافيته، ربما يتمنى موته، وإذا مات كان أيسر مفقود إن لم يحصل السرور للأب بموته، فلو كانت تلك المحبة لمحض القرابة مع قطع النظر عن الدنيا لوجدت الاتحاد في الشفقة بين الحالتين، ولكن الأمر على خلاف ذلك بالاستقراء، مع أن القرابة لا تزول بزوال البصر مثلا، إنما الذي زال ما كان مؤملا من النفع الدنيوي، فكشف ذلك أن المحبوب هو

الصفحة 5300