كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

يوجد من يقوم بذلك عند دفع المستحيل، وهو لا يقع فيبطل ما استلزم ذلك.
قلت: يصدق ذلك في مثل رجلين متحابين لمحض عرض أخروي ليس من أعراض الدنيا، ولا يتعلق بشيء ابتداء ولا انتهاء، كمن يتحابان لكونهما يجتمعان على الجهاد في سبيل الله، فينظر كل واحد منهما من صاحبه من النكاية في الكفار، وشدة الشكيمة ما يوجب له المحبة عنده، لكونه قد قام بما أوجب الله عليه، وصار من أهل الجنة، وكذلك الاجتماع على طلب العلم مع خلوص النية، وحسن الطوية، والتجرد عن كل عرض فاسد، فيحب كل واحد منهما الآخر لكونه يستوجب بعمله الجنة، وكذلك سائر الطاعات إذا كانت المحبة لأجلها، ولكن انظر كم ترى من أهل هذه الطبقة، فإن التحاب لمحض العمل الأخروي مما يعز وجوده غاية العزة عند من لم يعتز بالمبادئ، واهتم بالمطالب، وفحص في دون تعليل، ولم ينفق عليه تلبيس [4ب] ولا تغرير.
ومن أعظم فوائد إمعان النظر في مثل هذا البحث أن الإنسان إذا حاط بحقيقته لم يحفل بجلب القلوب إليه وعطف الخواطر عليه؛ لأن ذلك لم يفعل لأجله، بل لأجل المنافع المتعلقة به، فيسموا بنفسه إلى أن يكون جميع ما يفعله مما يستحسنه الناس خالصة لله - جل جلاله -. فإن فعل الخير من كرم أو شجاعة أو حسن خلق أو علم أو عمل إذا كان معظم القصد به أن يكون فاعله محبوبا عند من يعلم ذلك معظما، رفيع القدر، عالي المحل فهو مع كونه من الرياء البحت، والشرك الخفي غرض ساقط لا ترغب في مثله إلا النفوس الساقطة.

الصفحة 5304