كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

وأجابوا عن قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (¬1) بأن المراد بالمعمر الطويل العمر، والمراد بالناقص قصير العمر. وفي هذا نظر، لأن الضمير في قوله: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} يعود إلى قوله: {مِنْ مُعَمَّرٍ}. والمعنى على هذا: وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمر ذلك المعمر إلا في كتاب، هذا ظاهر معنى النظم القرآني (¬2)، وأما التأويل المذكور فإنما يتم على إرجاع الضمير المذكور إلى غير ما هو المرجع في الآية، وذلك لا وجود له في النظم.
وقيل (¬3) إن معنى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} ما يستقبله من عمره. ومعنى (¬4): {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} ما قد مضى. وهذا أيضًا خلاف الظاهر، لأن هذا ليس ينقص من نفس العمر، والنقص يقابل الزيادة (وما) هنا جعله مقابلا للبقية من العمر، وليس ذلك بصحيح. وقيل (¬5) المعنى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} من بلغ سن الهرم ولا ينقص من عمره، أي من عمر آخر غير هذا الذي بلغ سن الهرم عن عمر هذا الذي بلغ سن الهرم ويجاب عنه بما تقدم. وقيل (¬6) المعمر من يبلغ عمره ستين سنة، والمنقوص من عمره من يموت قبل الستين، وقيل غير من التأويلات (¬7) التي يردها اللفظ ويدفعها.
¬_________
(¬1) [فاطر \ 11].
(¬2) انظر "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 333)، "جامع البيان" (12 \ جـ22/ 122).
(¬3) عزاه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 333) لسعيد بن جبير.
(¬4) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن " (14/ 333).
(¬5) انظر الجامع لأحكام القرآن " (14/ 333).
(¬6) قاله قتادة كما في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 333).
(¬7) قال ابن جرير الطبري في "جامع البيان" (12 \ حـ22/ 122): عن ابن عباس قوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} أي: ليس أحد قضيت له طول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له، وإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له، لا يزاد عليه، وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر، ولكنه ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت له لا يزاد عليه، فذلك قوله: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} يقول كل ذلك في كتاب عنده " وهو الراجح.
انظر: " تفسير البغوي" (3/ 567)، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (14/ 333).

الصفحة 5323