كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

أنه لا يطول عمر إنسان ولا ينقص إلا وهو في كتاب أي في اللوح المحفوظ (¬1).
وهكذا يدل قوله - سبحانه -: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} (¬2). أن للإنسان أجلين يقضي الله - سبحانه - له بما يشاء منهما من زيادة أو نقص. ويدل على ذلك أيضًا ما في الصحيحين وغيرهما [1ب] عن جماعة من الصحابة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن صلة الرحم تزيد في العمر. وفي لفظ في الصحيحين (¬3): "من أحب أن يبسط له في
¬_________
(¬1) قال ابن تيمية: "فالأجل الأول هو أجل كل عبد الذي ينقضي به عمره، والأجل المسمى عنده هو أجل القيامة العامة، ولهذا قال: مسمى عنده. فإن وقت الساعة لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل كما قال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ... وأما أجل الموت فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون رزق العبد، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد كما ثبت في الصحيحين:" أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ... " الحديث - تقدم - فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يعلمه الله لمن يشاء من عبادة وأما أجل القيامة المسمى عنده فلا يعلمه إلا هو ".
انظر: "مجموع فتاوى" (4/ 489) "والتفسير الكبير " لابن تيمية (4/ 198 - 199).
وقال الطبري وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: معناه ثم قضى أجل الحياة الدنيا، وأجل مسمى عنده، وهو أجل البعث عنده، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأنه تعالى نبه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم فقال لهم: أيها الناس، إن الذي يعدل به كفاركم الآلهة، والأنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين، فجعلكم صورا أجساما أحياء، بعد إذ كنتم طينا جمادا، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم، ليعيدكم ترابا وطينا، كالذي كنتم قبل أن ينشأكم ويخلقكم: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} لإعادتكم أحياء وأجساما، كالذي كنتم قبل مماتكم وذلك نظير قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
(¬2) [الأنعام:2].
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2067) وطرفه رقم (5986) ومسلم في صحيحه رقم (2557) وأحمد (3/ 156، 247، 266) وأبو داود رقم (1693) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 227) والبغوي في "شرح السنة " (13/ 18 - 19) وابن حبان صحيحه رقم (440) من طرق عن أنس بن مالك.
* وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (5985) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الصفحة 5325