كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

تمحقه، وأن العبد يصاب بذنبه كما يصل إلى الخير، ويندفع عنه الشر بكسب الخير والتلبس بأسبابه.
فإعمال بعض ما ورد في الكتاب والسنة، وإهمال البعض الآخر ليس كما ينبغي. فإن الكل ثابت عن الله - عز وجل -، وعن رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - والكل شريعة واضحة، وطريقة مستقيمة، والجمع ممكن بما لا إهمال فيه لشيء من الأدلة، وبيانه أن الله - سبحانه - كما علم أن العبد يكون له من العمر كذا، أو من الرزق كذا، أو هو من أهل السعادة أو الشقاوة قد علم أنه إذا وصل رحمه زاد له في الأجل كذا، أو بسط له من الرزق كذا، أو صار من أهل السعادة بعد أن كان من أهل الشقاوة، أو صار من أهل الشقاوة بعد أن كان من أهل السعادة (¬1).
وهكذا قد علم ما يقضيه للعبد. كما علم أنه إذا دعاه، واستغاث به، والتجأ إليه صرف عنه الشر، ودفع عنه المكروه. وليس في ذلك خلف ولا مخالفة لسبق العلم، بل فيه تقيد المسببات بأسبابها (¬2) كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط هذه المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق أو ينافيه بوجه من الوجوه؟ فلو قال قائل: أنا لا آكل ولا أشرب بل أنتظر القضاء، فإن قدر الله لي ذلك كان، وإن لم يقدر لم يكن. أو قال: أنا لا أزرع الزرع، ولا أغرس الشجر، بل أنتظر القضاء، فإن قدر الله ذلك كان، وإن لم يقدره لم يكن. أو قال: أنا لا أجامع زوجتي أو أمتي ليحصل لي منهما الذرية، بل إن قدر الله ذلك كان، وإن لم يقدره لم يكن. لكان هذا مخالفا لما عليه رسل الله، وما جاءت به كتبه، وما كان عليه صلحاء الأمة وعلماؤها، بل يكون مخالفا لما عليه هذا النوع الإنساني [3أ] من أبينا آدم إلى الآن، بل مخالفا لما عليه جميع أنواع الحيوانات في البر والبحر، فكيف ينكر وصول العبد إلى الخير بدعائه أو بعمله الصالح؟! فإن هذا من
¬_________
(¬1) تقدم توضيحه. انظر "فتح الباري" (11/ 477).
(¬2) انظر "الجواب الكافي " لابن القيم (ص27). "شفاء العليل" (ص25 - 26).

الصفحة 5331