كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

الأسباب التي ربط الله مسبباتها بها وعلمها قبل أن تكون، فعلمه على كل تقدير أزلي في المسببات والأسباب، ولا يشك من له اطلاع على كتاب الله - عز وجل - ما اشتمل عليه من ترتيب حصول المسببات على حصول أسبابها. كما في قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (¬1) وقوله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (¬2) وقوله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬3) وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (¬4) وقوله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬5) وكم يعد العاد من أمثال هذه الآيات القرآنية، وما ورد موردها من الأحاديث النبوية! وهل ينكر هؤلاء الغلاة مثل هذا، ويجعلونه مخالفا لسبق العلم مباينا لأزليته؟ فإن قالوا: نعم، فقد أنكروا ما في كتاب الله - عز وجل - من فاتحته إلى خاتمته، وما في السنة المطهرة من أولها إلى آخرها، بل أنكروا أحكام الدنيا والآخرة جميعا، لأنها كلها مسببات مترتبة على أسبابها، وجزاءات معلقة بشروطها. ومن بلغ إلى هذا الحد في الغباوة وعدم تعقل الحجة لم يستحق المناظرة، ولا ينبغي معه الكلام فيما يتعلق بالدين، بل ينبغي إلزامه بإهمال أسباب ما فيه صلاح معاشه وأمر دنياه حتى ينتعش من غفلته ويستيقظ من نومته ويرجع عن ضلالته وجهالته والهداية بيد ذي الحول والقوة لا خير إلا خيره.
ثم يقال لهم هذه الأدعية الثابتة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في دواوين
¬_________
(¬1) [النساء:31].
(¬2) [نوح: 10 - 12].
(¬3) [إبراهيم:7].
(¬4) [البقرة:282].
(¬5) [الصافات:143 - 144].

الصفحة 5332