كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

الإسلام وما يلتحق بها من كتب السنة المطهرة. قد علم كل من له علم أنها كثيرة جدا بحيث لا يحيط بأكثرها إلا مؤلف بسيط ومصنف حافل (¬1) وفيها تارة استجلاب الخير وفي أخرى استدفاع الشر، وتارة متعلقة بأمور الدنيا وتارة بأمور الآخرة. ومن ذلك تعليمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لأمته ما يدعون به في صلواتهم [3ب] وعقب صلواتهم وفي صباحهم ومسائهم وفي ليلهم ونهارهم وعند نزول الشدائد بهم وعند حصول نعم الله إليهم. هل كان هذا كل منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لفائدة عائدة عليه، وعلى أمته بالخير خالية لما فيه من مصلحة دافعة لما فيه مفسدة؟ فإن قالوا نعم، قلنا لهم فحينئذ لا خلاف بيننا وبينكم، فإن هذا الاعتراف يدفع عنا وعنكم معرة الاختلاف، ويريحنا ويريحكم من التطويل بالكلام على ما أوردتموه وأوردناه. وإن قالوا ليس ذلك لفائدة عائدة عليه وعلى أمته بالخير، جالبة لما فيه مصلحة، دافعة لما فيه مفسدة، فهم أجهل من دوابهم، وليس للمحاجة لهم فائدة، ولا في المناظرة معهم نفع.
يا عجبا كل العجب! أما بلغهم ما كان عليه أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - من أول نبوءته إلى أن قبضه الله إليه من الدعاء لربه، والإلحاح عليه، ورفع يديه عند الدعاء حتى يبدو بياض إبطيه (¬2)، وحتى يسقط رداؤه كما وقع منه في يوم بدر (¬3)! فهل يقول عاقل فضلا عن عالم، إن هذا الدعاء منه فعله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وهو يعلم أنه لا فائدة فيه، وأنه قد سبق العلم بما هو كائن، وأن هذا السبق
¬_________
(¬1) انظر "الأذكار " للنووي.
" عمل اليوم والليلة " للنسائي، و" عمل اليوم والليلة " لابن السني. " الكلم الطيب" لابن تيمية، " الوابل الصيب" ابن القيم.
(¬2) منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1031) وطرفاه رقم (3565، 6341) ومسلم رقم (895) من حديث أنس بن مالك قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه".
(¬3) انظر "فتح الباري" (7/ 292 - 293).

الصفحة 5333