كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

التفسير (¬1). فكيف يأمر عباده أولا؟ ثم يجعل تركه استكبارا منهم ثم يرغبهم إلى الدعاء، ويخبرهم أنه قريب من الداعي، مجيب لدعوته بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (¬2)، ثم يقول معنوناُ لكلامه الكريم بحرف يدل على الاستفهام الإنكاري والتقريع [4أ] والتوبيخ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (¬3) ثم يأمرهم بسؤاله من فضله بقوله: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (¬4) فإن قالوا: إن هذا الدعاء الذي أمرنا الله به، وأرشدنا إليه، وجعل تركه استكبارا وتوعد عليه بدخول النار مع الذل، ورغب عباده إلى دعائه، وعرفهم أنه قريب وأنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وأنكر عليهم أن يعتقدوا أن غيره يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف ما نزل به من السوء وأمرهم أن يسألوه من فضله، ويطلبوا ما عنده من الخير أن كل ذلك لا فائدة فيه للعبد، وأنه لا ينال إلا ما قد جرى به القضاء وسبق به العلم. فقد نسبوا إلى الرب - عز وجل - ما لا يجوز عليه، ولا يحل نسبته إليه، فإنه لا يأمر العبد إلا بما فيه فائدة يعتد بها، ولا يرغبه إلا إلى ما يحصل له به الخير، ولا يرهبه إلا عما يكون به عليه الضير (¬5)، ولا يعده إلا بما هو حق يترتب عليه فائدة فهو صادق الوعد
¬_________
(¬1) انظر:"جامع البيان" (12/ 78 - 79).
(¬2) [البقرة:186].
(¬3) [النمل:62].
(¬4) [النساء:32].
(¬5) وقد فند مثل هذا القول ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى " (8/ 176) إذ قال: "الدعاء في اقتضائه الإجابة كسائر الأعمال الصالحة في اقتضائها الإثابة وكسائر الأسباب في اقتضائها المسببات، ومن قال: إن الدعاء علامة ودلالة محضة على حصول المطلوب المسئول، ليس بسبب، أو هو عبادة محضة لا أثر له في حصول المطلوب وجودا ولا عدما، بل ما يحصل بالدعاء يحصل بدونه فهما قولان ضعيفان، فإن الله علق الإجابة به تعليق المسبب بالسبب كقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وفي الصحيحين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له في دعوته، وإما أن يدخر له من الخير مثلها، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها"، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر، قال: "الله أكثر".
أخرجه الترمذي رقم (3573) وهو حديث حسن من حديث عبادة بن الصامت.
وأخرجه أحمد (3/ 18) من حديث أبي سعيد الخدري وهو حديث صحيح.

الصفحة 5336