كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

لا يخلف الميعاد، ولا يأمرهم بسؤاله من فضله إلا وهناك فائدة تحصل بالدعاء، ويكون بسببه التفضل عليهم، ورفع ما هم فيه من الضرر وكشف ما حل بهم من السوء.
هذا معلوم لا يشك فيه إلا من يعقل حجج الله، ولا يفهم كلامه، ولا يدري بخير ولا شر، ولا نفع ولا ضر. ومن بلغ به الجهل إلى هذه الغاية فهو حقيق بألا يخاطب، وقمين بأن لا يناظر. فإن هذا المسكين المتخبط في جهله، المتقلب في ضلاله قد وقع فيما هو أعظم خطرا من هذا، وأكثر ضررا منه، وذلك بأن يقال له: إذا كان دعاء الكفار إلى الإسلام، ومقاتلتهم على الكفر، وغزوهم إلى عقر ديارهم لا يأتي بفائدة، ولا يعود على القائمين به من الرسل وأتباعهم وسائر المجاهدين من العبادة بفائدة، وأنه ليس هناك إلا ما قد سبق من علم الله - عز وجل -، وأنه سيدخل في الإسلام، ويهتدي إلى الدين من قد علم الله - سبحانه - منه ذلك، سواء قوتل أو لم يقاتل، وسواء دعي إلى الحق أو لم يدع إليه كان هذا القتال الصادر من رسل الله وأتباعهم ضائعا ليس فيه إلا تحصيل الحاصل، وتكوين ما هو كائن فعلوا أو تركوا، وحينئذ يكون الأمر بذلك عبثا تعالى الله - عز وجل - عن ذلك.
وهكذا ما شرعه الله لعباده من الشرائع على لسان أنبيائه، وأنزل بها كتبه يقال فيه مثل هذا، فإنه إذا كان ما قد حصل في سابق علمه - عز وجل - كائنا سواء بعث الله إلى عباده رسله وأنزل إليهم كتبه، أو لم يفعل ذلك، كان ذلك عبثا يتعالى الرب - سبحانه - عنه، ويتنزه عن أن ينسب إليه.
فإن قالوا: إن الله - سبحانه - قد سبق علمه بكل ذلك، ولكنه قيده بقيود،

الصفحة 5337