كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 11)

وشرطه بشروط، وعلقه بأسباب فعلم مثلا [4ب] أن الكافر يسلم ويدخل في الدين بعد دعائه إلى الإسلام، أو مقاتلته على ذلك، وأن العباد يعمل منهم من يعمل بما تعبدهم الله به بعد بعثه رسله إليهم وإنزال كتبه عليهم قلنا لهم: فعليكم أن تقولوا هكذا في الدعاء، وفي أعمال الخير، وفي صلة الرحم، ولا نطلب منكم إلا هذا، ولا نريد منكم غيره. وحينئذ قد دخلتم إلى الوفاق من طريق قريبة، فعلام هذا الجدال الطويل العريض، والحجاج الكثير الكبير؟ فإنا لا نقول إلا أن الله - سبحانه - قد علم في سابق علمه أن فلانا يطول عمره إذا وصل رحمه، وأن فلانا يحصل له من الخير كذا، أو يندفع عنه من الشر كذا إذا دعا ربه، وأن هذه المسببات مترتبة على حصول أسبابها. وهذه الشروطات مقيدة بحصول شروطها. وحينئذ فارجعوا إلى ما قدمنا ذكره من الجمع بين ما تقدم من الأدلة، واستريحوا من التعب، فإنه لم يبق بيننا وبينكم خلاف من هذه الحيثية.
وقد كان الصحابة (¬1) - مثل عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي وائل، وعبد الله بن عمر الذين كانوا يدعون الله - عز وجل - بأن يثبتهم في أهل السعادة، إن كانوا قد كتبوا من أهل الشقاوة كما قدمنا، أعلم بالله - سبحانه - وبما يجب له، ويجوز عليه.
وقال كعب الأحبار حين طعن عمر وحضرته الوفاة: "والله لو دعا الله عمر أن يؤخر أجله لأخره" (¬2). فقيل له: إن الله - عز وجل - يقول: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (¬3). فقال: هذا إذا حضر الأجل، فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد، وينقص، وقرأ قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (¬4).
¬_________
(¬1) انظر "فتح القدير" (3/ 89).
(¬2) انظر "الكافي الشافي " لابن حجر (ص 139).
أخرج هذا الأثر إسحاق بن راهوية في آخر مسند ابن عباس.
(¬3) [الأعراف: 34].
(¬4) [فاطر:11].

الصفحة 5338