كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 1)
من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل، فقال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " اللهم اشهد ". قلت: وقد روي في غير (¬1) الصحيحين من غير طريق هؤلاء المذكورين.
ومن دلائل نبوته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صعوده (¬2) ليلة المعراج إلى ما فوق السماوات، وقد نطق بهذا الكتاب العزيز، وتواترت به الأحاديث تواترا لا يشك من له أدنى إلمام بعلم السنة، ولا ينكر ذلك إلا متزندق، وليس بيده إلا مجرد الاستبعاد، وليس ذلك مما تدفع به الأدلة، ويبطل به الضروريات وإلا لكان مجرد إنكار وقوع الشيء المبرهن على وقوعه كافيا في دفعه، وذلك خلاف العقل والنقل. وقد رفع الله- سبحانه- إلى السماء إدريس- عليه السلام-. وثبت في السفر الثاني من أسفار الملوك في التوراة، أن إيليا رفع إلى السماء، وبعض تلامذته ينظر إليه. وشاع ذلك، ولم يخالف فيه أحد من اليهود، وهذا إيليا هو المسمى في القرآن إلياس. وهكذا ثبت في الأناجيل كلها أن الله - سبحانه- رفع عيسى- عليه السلام- بعد الصلب في زعمهم كما هو محرر هنالك، ولا يخالف في ذلك أحد من النصارى. وقد نطق القرآن (¬3) الكريم بأنه رفعه إليه، ولم يصلب. وإلى ذلك ذهب بعض طوائف النصارى.
والحاصل أن رفعه إلى السماء متفق عليه بين جميع المسلمين، وجميع النصارى، ولم يقع الخلاف بينهم إلا في كونه رفع قبل الصلب، أو بعده.
ومن دلائل نبوته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما في الصحيحين (¬4) وغيرهما: أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة- والنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم يخطب- فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال،
¬_________
(¬1) أخرجه الترمذي في السنن رقم (3289) من حديث جبير بن مطعم.
(¬2) انظر صحيح البخاري رقم (4716) وانظر: تفسير ابن كثير (7/ 429).
(¬3) قال تعالى: (إِنِّي مُتَوَفيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران: 55].
(¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (933) ومسلم في صحيحه رقم (8/ 897) من حديث أنسى بن مالك - رضي الله عنه -.