كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 1)

وفي الصحيحين (¬1) وغيرهما عن أنس قال: كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعاد نصرانيا، فكان يقول: ما يدري محمد، إلا ما كتبت له، فقال رسول الله: اللهم اجعله آية، فأماته الله، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذه فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له، وأعمقوا ما استطاعوا، فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فقالوا: مثل الأول، فحفروا له، فأعمقوا، فلفظته الثالثة، فعلموا أنه ليس من فعل الناس فتركوه منبوذا".
وفي الصحيحين (¬2) وغيرهما عن ابن مسعود قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعقبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن ربيعة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط " قال ابن مسعود: فوالذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت الذي سمى صرعى يوم بدر سحبوا إلى القليب، قليب بدر، وكان هذا الدعاء منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم لما وضعوا عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلا الجزور.
ومن إجابة دعائه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ثبت في الصحيحين (¬3) وغيرهما أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا لأنس بن مالك فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته " فكان من أكثر الأنصار مالا وولدا، حتى روي عنه أنه دفن لصلبه إلى عند مقدم الحجاج بن يوسف بضعا وعشرين ومائة.
وفي الصحيحين (¬4) وغيرهما أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعبد الرحمن بن عوف: " بارك الله لك، أولم ولو بشاة " فبلغ مال عبد الرحمن مبلغا عظيما، قال الزهري: إنه تصدق بأربع مائة ألف دينار، وحمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، خمسمائة بعير في سبيل الله، وكان عامة ماله في التجارة.
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3617) ومسلم في صحيحه رقم (2781).
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (240) بنحوه. ومسلم في صحيحه رقم (1794).
(¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6344) ومسلم في صحيحه رقم (2480).
(¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3780).

الصفحة 558